نعم... أهل التصوف أهل أدب بنوا علومهم محررة على الكتاب والسنة، قال إمام الطائفة الجنيد (علمنا مقيد بالكتاب والسنة)، لا يخرجون عن معتقد أهل السنة والجماعة، وحينما وضعوا أدب التسليم مع الشيخ المربي، فقد كان المقصد الأكبر هو التسليم في أمور التزكية والتربية وتهذيب النفس والعلوم التي تخفى إلا على أهل الله، أما العلوم التي دونت وعرفت سواء في العقيدة أو الفقه أو التزكية، فلا يجوز التسليم لأي أحد كائنا من كان في مخالفتها، وكلام القوم في هذا مبثوث في مصنفاتهم.
قال ترجمان الصوفية سيدي الشعراني في "لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية" (ص: 91)
(أن الحجة بفعل العالم لا تكون إلا فيما لم يصل إلينا علمه من الشارع أما ما وصل علمه إلينا فلا حجة لنا في تركه لترك غيرنا).
يعني لو خالف الشيخ -والشيخ الحق لا يخالف- فاسأل الشيخ فإن أصر على مخالفة ما هو معروف ومعلوم ومشهور من أمور العقيدة وما عليه كبار الأقطاب، فاضرب بكلام شيخك عرض الحائط وتحصن بالحصن المنيع وهو ما عليه الإجماع من القوم، ولا تضرك هذه المخالفة أبدا لأنك متبع للسادة الأكابر.
فليس التسليم على إطلاق، بل هناك تفصيل من الواجب معرفته، حتى لا يغتر المريد بالمدلسين والمشعوذين وسارقي المشيخة.
الشيخ الذي يسلم له المريد لو قرأ المريد عن أوصافه في كتب القوم فسوف يصيبه اليأس وتعييه الحيل في معرفته، ولن يصل إليه خالبا إلا بالمنة من الله تعالى.
فقد ذكروا أن الشيخ العارف هو من لو انفرد في الوجود لكفى الناس كلهم معرفة وعلما وتزكية، لأنه نائب عن الحضرة المحمدية.
فلو قرأ بعض الشيوخ اليوم شروط شيخ التربية التي ذكرها القوم في مصنفاهم، في مجلس على تلامذته لاستحى من الله ورسوله، وعلم أنه من أهل الدينا لا من أهل الآخرة، ولتيقن أن قد جلس على كرسي المشيخة مدعيا لا متحققا.
كيف ونحن نعلم أن إجازات المشيخة أعطيت لمن لم يتقن مباديء الفقه والعقيدة، ومنهم من تمشيخ بسند كسند أهل الرواية.
سند التصوف يختلف عن سند الرواية يا قوم، فسند الطريق مبني على سلوك الطريق ومعاناة جهاد النفس وترويضها تزكيتها وتهذيبها وتخليتها وتحليتها، والترقي في المقامات، ومعرفة عوائق وعلائق السلوك، ثم بعد ذلك ينظر أهل الله بالبصيرة ويؤذن له بالجلوس لتربية المريدين.
أما هذه الفوضى في الإجازات وتنصيب ذوي الأرحام شيوخا دون تحقق الشروط فهذا لعمري ليس من طريق القوم ولا من هديهم ولا من سلوكهم.
فلا يغرنك مدلس أن الشيخ مجتهد في رأيه ورأيه مخالف تماما لما عليه أهل الطريق.
أي اجتهاد هذا الذي يجعل الشيخ يخرق أدب الطريق وما عليه الأقطاب الأكابر.
هذا لعمري من أعجب العجب، وأغرب الغرائب، أن نعيش زمنا صار فيه سب وشتم الأكابر من الصحب الكرام اجتهادا له أجره.
أف لكم ولاجتهادكم وأف ثم أف يوم جلستم على كرسي المشيخة والوعظ.
وحسبنا الله وكفى والله غالب على أمره

تعليقات
إرسال تعليق