التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السند المبارك في الطريقة القاوقجية الشاذلية


السند المبارك في الطريقة القاوقجية الشاذلية
المقدمة
ِبسْمِ الله الرَّحْمن الرَّحيم
الحمد لله الذي أفاض على أولياءه بصنوف المعارف اللدنية، والرقائق والحكم الإلهامية، وتوجهم بتاج الكرامة والفيوضات العرفانية، ونور بواطنهم بالأنوار الإحسانية واصطفاهم  وخصهم لحضرته العلية.
والصلاة والسلام على حقيقة الحقائق الربانية، وسر أسرار المقامات الاصطفائية، النور الذي أضاء العوالم العلوية والسفلية، الرحمة الشاملة لجميع العوالم الوجودية.
وعلى آله سرج الهداية، وأقمار الولاية، ونجوم الأمان لأهل الأرض.
وعلى أصحابه الذين تتزين بسيرتهم المجالس، وتتعطر بذكرهم المحافل، أساطين العلوم، وأرباب الفهوم. وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
يقول العبدُ الفقير الذليل، الرَّاجي عفو ربه الجليل، أبو صُهيب فتحي بن سَعيد بن عُمر بن أحمد بن خليل، الحُجَيري نسبًا، المالكي مذهبًا، الأشعري عقيدةً، القاوقجي الشَّاذِلي طريقة لقد شرفني الله "سبحانه وتعالى" وسلكت طريق السَّادة الصَّوفية القَاوقْجِيَّة الشَّاذِليِّة، سنة اثنتا عشر وأربعمائة وألف من الهجرة النبَّوية، وكان عمري آن ذاك ما يقرب من السادسة عشر سنة، عن العَارفِ بالله، الشيخ الصَّالح الورع، الزاهد المربي سيدي أبي عبد الله محمَّد المهدي بن عبد الله بن مُعوض بن حسن الحَجَازي.
وأنا في سن الخامسة عشرة توفي والدي" رحمه الله تعالى" في مدينة (كوم أمبو) بمحافظة (أسوان) وكان هناك لزيارة أخيه، وابنته الكبرى وأبناء عمومته، وكان ذلك في يوم الأحد الثامن من شهر أكتوبر سنة تسعة وثمانين وتسعمائة وألف من الميلاد، عن عمر يناهز السبعين غاما، ولقد كان "رحمه الله تعالى" مثلا للوالد المجاهد المحب لأبنائه، وكان يحبني كثيراُ، ويشجعني على طلب العلم، اللهم ارحمه رحمة واسعة، وأسكنه جنة الفردوس مع سيدي رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾.
وبعد وفاة والدي "رحمه الله" بعدة شهور، كان لقاءي مع أبي الروحي، ولقد كان القاء بسيدنا الشيخ لأول مرة من الأمور العجيبة، والأحوال الغريبة، وها أنا أسرده كما جرى فلقد كان من تقدير الله العلي القدير، أنني رحلت إلي (قرية حجازة قبلي) موطن شيخنا "حفظه الله" مع بعض أصدقائي لزيارة أحد أصدقائنا، وكان ذلك بعد الانتهاء من الدراسة بعد المرحلة الإعدادية، وكان اليوم يوم الجمعة المباركة، ومن حسن تقدير الله لنا أن منزل صديقنا، كان بجوار المسجد الذي يخطب فيه سيدنا الشيخ "حفظه الله" فدخلنا المسجد لصلاة الجمعة، فصعد المنبر شيخ جميل المحيا، مهيب الطلعة، خاشع متخشع طويل القامة، نحيف الجسم، نظيف الثياب، ذو لحية مهذبة، فبهرني قبل أن أسمع حديثه، وأسرني بوجهه المشرق المنور، فلما تكلم حيرني بيانه، مع صغر سني، وأطربني حديثه، وحرك قلبي خطابه، وأخذتي حالة من الدهش والوله، إلي أن فرغ من خطبته، وبعد صلاة الجمعة تدافع المصلون للسَّلام عليه، وتقبيل راحتيه، وهو في غاية التواضع، ونكران الذات، حتى وصل إلينا فسلم علينا بحنان الأبوة، وتواضع العلماء، وسألنا عن أسمائنا وبلدتنا فأخبرناه وسألنا عن أناس في بلدتنا فأخبرناه، فاستضافنا في ساحته المباركة العامرة، ثم قدم لنا طعاما فأكلنا، وأخذ يحدثنا بما أفاض الله عليه من العلم، ومن الغريب والعجيب أنَّه من خلال حديثه، جري على لسانه الكريم، كشف أحوالنا، حتى أنني تعجبت عجبا شديداً، وقلت في نفسي كيف عرف الشيخ أحوالنا، ثمَّ إنَّ الشَّيخ نظر إليَّ وقال لي: أنت فيك شبه من سيدي أبي الحسن الشَّاذِلي، وكنت أسمع عن هذا الاسم (أبو الحسن الشَّاذِلي) ولكنني لا أعرف عنه شيئا من سيرته، غير أنَّ الناس في بلادنا يزورن ضريحه الشَّريف في الاحتفال بمولده المبارك في الصحراء الشرقية جنوب مصر بالصعيد، ثم بشرني الشَّيخ ببشارة في هذا الوقت، قد تحققت والحمد لله بعد ما يقرب من تسعة عشر سنة، فلما حان وقت الانصراف، زودنا الشَّيخ بدعائه الصَّالح وخصنا بنصائح غالية، منها طاعة الوالدين، والبعد عن أصدقاء السُوء، والحفاظ على الصَّلوات الخمس، ورغبنا في زيارته مرة أخرى، ثم انصرفنا من عنده، وفي طريقي إلى البيت، شغلت بها اللقاء الأول لسيدي الشيخ، وأحسست بتغير غريب في باطني، فقد ملك عليَّ هذا الَّشيخ كل تفكيري، وأحسست بإحساس ينتابني لأول مرة، وهو الإقبال على الله -عز وجل- والعمل على تنفيذ ما أوصانا به.
 وبعد ثلاثة أشهر حينما التحقت بالمعهد الثانوي الأزهري بمدينة الأقصر بالقسم العلمي، وكان طريقي في الذهب والإياب قريبا من ساحة سيدنا الشَّيخ، فشدني الحنين إلى لقاءه والجلوس بين يديه مرة أخرى، فنزلت ذات مرة وأنا راجع من المعهد إلى حيث موطني  -نجع سندل- من السيارة متجها لزيارته، فلما رآني قام فسلم عليَّ، ورحب بي بحفاوة شديدة، وسألني عن أحوالي فأخبرته، وجلست معه من بعد صلاة الظهر إلى قريب من صلاة المغرب، وفيها استمعت لحديث مولانا في العلم وطريق التصوف.
ثمَّ تعددت زيارتي للشيخ -حفظه الله- فكنت كل يوم خميس بعد رجوعي من معهد الأقصر الثانوي الأزهري، أذهب لزيارته، ومن عجيب الأمر أنني كنت أصل عنده بعد صلاة الظهر، وأحياناً قبل صلاة العصر، وكان الشَّيخ في هذا الوقت يكون في منزله، فكنت أكره أن يخرج الشيخ لي في هذا الوقت وهو وقت القيلولة، فكنت أدخل إلى السَّاحة وأجلس بها، فكان يرسل لي بعض أبنائه بطعام، مع أنني أكون حريصا أن يراني أحد حين دخولي إلى الساحة، وتكرر ذلك معي كثيراً، مما دعاني أن أسأل الشَّيخ فقلت له: يا مولانا كلما جئت إلى الساحة تأتي إليَّ بطعام، مع أنَّك لم تراني ولم يراني أحد، فضحك الشَّيخ ثمَّ قال لي: إنني يا ولدي أشم رائحتك، حينما تنزل عند شجرة (النَّبق) وهي شجرة عتيقة في مدخل الطريق المؤدية لساحته ومنزله، فتعجبت من كلامه، ودهشت من حاله، ثم في يوم من الأيام ذهبت لزيارته -حفظه الله- ووجدته يتحدث في باب من أبواب العلم، فجلست للاستماع، وبعد لحظات قطع الشَّيخ حديثه والتفت إلى وقال لي: هل أنت متوضئ؟ فقلت له: نعم، وكان من عادتي حينما أزوره، أكون على وضوء، فقال لي توضئ مرة ثانية، فسارعت لتنفيذ أمره، فأدخلني معه في مقام العارف بالله الشيخ أحمد في ساحته، وأمرني بالجلوس، ثم قال لي يا ولدي جاء الأذن بأنك تسلك الطريق الشَّاذلي، فمد يده المباركة، ووضعت يدي في يده، ثم لقنني عهد الطريق المبارك كما هو معلوم عند القوم، وأوصاني بأشياء كثيرة، وبشرني بأشياء تحقق بعضها، ولقد كانت لحظات يعجز لساني عن وصفها، لحظات تلاشى فيها الزمان والمكان، ولقد كنت أردد ورائه صيغة العهد الشَّريف، بصعوبة شديدة، وخوف عظيم.
هذا باختصار ما وقع لي عند لقاءي بهذا الشيخ المربي الفاضل، العالم العامل، الزاهد الورع، المحب والعاشق لسيدنا رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾.
فالحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، على هذه المِّنة العظمى، والفضل الكبير، وهو نعمة سلوك طريق القوم "رضي الله عنهم".
 ولقد حثنا الأشياخ –رضي الله عنهم-على معرفة الآباء في الطريق، للإقتداء بِسيَرهِم العطرة، وأنفاسهم الصادقة، وآدابهم الجامعة، فقد قالوا: (من لم يعرف آبائه في الطريق فهو دعي).
وها أنا أذكر سندي في طريق القوم تبركا بهذه السلسلة الذهبية العلية القاوقجية الشَّاذلية
فأقول أنا العبد الفقير إلى عفو ربه الجليل:
 أبو صهيب فتحي بن سعيد بن عمر بن أحد بن خليل، لقد سلكت طريق القوم على يد سيدي المربي العارف بالله الشيخ أبي عبد الله محمد المهدي بن العارف بالله سيدي عبد الله بن معوض بن حسن الحجازي -أمدنا الله من بركاته، ونفعنا بعلومه في الدارين- وهو عن شيخه السَّيد الشَّريف العَارفِ بالله سيدي عبد العزيز بن محمَّد بن إبراهيم المطيري الحسيني العَلوي المتوفى سنة (1997 م) وقبره بمقبرة أبي قيصر، بنجع –العاقولا-، بقرية حجازة بحري مركز قوص، وهو عن شيخه العَارفِ بالله العلامة الإمام سيدي محمَّد الباقر بن إبراهيم بن جامع الدراوي ثم المنشاوي مسكنا الأنصاري نسبا، وقبره بمقبرة دراو من محافظة أسوان، وبجواره قبر أخيه الشيخ بشير، وقبرهما بجوار قبور السَّادة الأدارسة، والمتوفى سنة [1967م] وهو عن شيخه الإمام العَارفِ بالله السَّيد محمَّد بن عيد الدراوي الأسواني وقبره بمقبرة دراو، عن شيخه العَارفِ بالله السَّيد محمَّد بن عبد الرحيم النُشَّابي الحسني، وضريحه بسيجر بطنطا، وهو عن شيخه الإمام المحدث، قطب الزمان، وفريد العصر والأوان، سيدي محمَّد بن خليل القاوقجي الشهير بأبي المحاسن المتوفى بمكة المكرمة سنة (1305 هـ) وهو عن شيخه العَارفِ بالله سيدي محمَّد البهي عن شيخه الحافظ سيدي محمَّد مرتضي الدين الزبيدي، عن شيخه القطب سيدي عبد الحق بن عبد الله المتوكل، عن القطب سيدي سعد الله بن محمَّد الحسني، عن المعمر سيدي عبد الشكور، عن سيدي أبي الفضل مسعود، عن القطب القدسي سيدي أبي العباس أحمد بن عمر المرسي، عن قطب دائرة الوجود، ومحل النظر والشهود، سيدي علي بن عبد الله أبي الحسن الشَّاذِلي، عن القطب الشريف مولاي عبد السلام بن بشيش الحسني، عن القطب عبد الرحمن المدني العطار، عن سيدي عبد الله التنائري، عن الإمام أبي بكر الشبلي، عن سيد الطائفة أبي القاسم محمَّد الجنيد البغدادي، عن سيدنا جعفر الحداد، عن الأستاذ أبي عمرو الاصطخري، عن سيدي شقيق بن إبراهيم البلخي، عن سلطان الزاهدين سيدي إبراهيم بن أدهم المشهور بالخواص، عن سيدي موسى بن يزيد الراعي، عن الخليفتين سيدنا عمر بن الخطاب بجبل عرفات، و سيدنا الإمام علي بن أبي طالب في الكوفة، وهما عن نور الوجود، والسبب في كل موجود، مولانا وسيدنا محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم.صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه حق قدره ومقداره العظيم.
فاللهم أمدنا بمددهم، وخلقنا بأخلاقهم، وأفض على أرواحنا وقلوبنا من بركاتهم ونفحاتهم، واكتبنا في سجل أحبابهم.

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلك تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين. 

كتبه العبد الفقير:
فتحي بن سعيد بن عمر بن أحمد بن خليل الحجيري الأزهري الشاذلي.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نبذة عن حياة الشريف، إسماعيل النقشبندى -رضى الله عنه-

نبذة عن حياة الشريف،   إسماعيل النقشبندى -رضى الله عنه- هو الحسيب النسيب، سليل بيت النبوة والفتوة، مولانا الإمام الشريف إسماعيل بن تقاديم بن رحمة، بن الأمير أحمد أبو سليمان، بن الأمير سعيد، بن الأمير سعد، بن الأمير زيد الحسني، وأمه هى الشريفة رية بنت الإمام محمد أبو بكر الميرغني، وشقيقة كل من القطب الكبير سيدى محمد عثمان الميرغنى، وسيدى الإمام عبد الله الميرغني، مفتى مكة والشريفة مريم أم  القطب العظيم سيدى محمد بن ناصر الإدريسى المشيشى المغربى. ولد شيخنا -قدس الله سره- فى الحادى عشر من شوال سنة ١٢١٦هـــ من هجرة النبى -صلى الله عليه وسلم-، فى قرية الدنيق بمديرية بحر الغزال بجنوب السودان، حيث هاجر جده اليها من مكة لظروف سياسية أجبرته على ذلك. حفظ الشيخ القرآن الكريم مبكرا، ثم ألحقه جده الشريف (رحمة ) بمحضرة سيدى المختار الكنتى بصحراء أزواد من بلاد شنقيط، ومكث بها عشر سنين تضلع فيها من العلوم العربية والشرعية على سيدى المختار الكنتى الشنقيطى، ثم على ولده وخليفته سيدى محمد المختار، وفى عام ١٢٣٥هــ التحق -رضى الله عنه- بالأزهر الشريف وأخذ عن علمائه الأجلاء ، وعاد...

العَارفِ بالله السَّيد محمَّد بن عبد الرحيم النُشَّابي الحسني

                                 العَارفِ بالله السَّيد محمَّد بن عبد الرحيم النُشَّابي الحسني هو العالم العلامة، والحبر الفهامة، مرشد السالكين، ومربي المريدين، سيدي محمد بن عبد الرحيم النشابي الحسني الشافعي الشاذلي الأحمدي الطنتدائي.  شريف حسني من جهة أبيه وحسيني من جهة أمه. وهو: محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوارث بن خليل بن علاء الدين بن إبراهيم بن جمال الدين بن محمد بن الأخضر بن داود بن أحمد بن محمد بن حسن بن محمد بن عبد الله أبي نشابة (سيدي عبد الله أبي نشابة ضريحه بالضهرية من قرى محافظة البحيرة وإليه تنسب الأسرة, وكان من أصحاب القطب الدسوقي) بن مرعي بن أحمد القناوي بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن يونس بن سلامة أبي الأنوار عن ترك بن سلامة الأواب بن إبراهيم بن علي بن محمد بن داود بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي ابن أبي طالب زوج فاطمة الزهراء بنت سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. ولد عام 1261هـ (1845م) وكان من أكبر علماء الأزهر وأ...