الأفكار المنحرفة عن أصول الدين وثوابته ليست وليدة العصر، بل هي قديمة من قرون، وقد كان من أوائل هذه الأفكار (فكر الخوارج)، وفكر الخوارج بدأت جزورة في حياة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ظهر هذا الفكر كتنظيم له أصوله وأفكاره في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-، وقد واجههم سيدنا الكرار بالفكر والسيف، واجههم بالفكر حينما كانوا في عزلة لا يحملون السلاح ضد الدولة، وقد أرسل إليهم حبر الأمة وترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس، وكان من وصية سيدنا الكرار له أن يحاججهم ويناظرهم بالسنة النبوية الشريفة ولا يحاججهم بالقرآن، وباب مدينة العلم يضع لكل من يأتي بعده قاعدة في غاية الدقة وخاية الروعة.
باب مدينة العلم سيدنا الكرار يعلمنا أن السنة النبوية الشريفة هي الشارحة والمبينة للقرآن الكريم، والقرآن حمال أوجه، كل واحد يستطيع أن يتأول كتاب الله على غير الحق وما بعد الحق إلا الضلال.
من هنا عرف أعداء الإسلام أن السنة الشريفة حصن حصين، ومن هدم هذا الحصن يستطيع بسهولة أن يتلاعب في فهم القرآن على حسب هواه دون قيد أو منهج.
فكانت هناك أكبر حملة عبر التاريخ هي تزوير أحاديث موضوعة على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مما أفزع العلماء والصلحاء فقاموا بأكبر مشروع علمي لتدوين السنة الشريفة وتمييز صحيحها من ضعيفها من موضوعها، ووضعوا علما غاية في الدقة وغاية في التحري وغاية في الصرامة في قبول الحديث.
مشروع علمي امتد لعدة قرون دونت فيه كل السنة النبوية الشريفة.
ودون فيه تاريخ ما يقرب من نصف مليون راوي، بحث من حيث العدالة ومن حيث الضبط.
وفي كل عصر تقريبا إلى عصرنا الحاضر، يتوالى الهجوم على السنة النبوية الشريفة، طعنا في كتبها، وطعنا في رواتها، وطعنا في متونها، وما ذلك إلا ليسهل عليهم تأويل كتاب الله بأهوائهم وأفكارهم من غير ضوابط ومنهجية.
والحق أن من أبرز من وقف ضد تيار الطعن في السنة الشريفة بكل صرامة وبكل شجاعة وبكل بيان وبلاغة هو الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الحساني، في مؤتمرات عديدة، وكانت كلماته من قوتها زلزلت الأرض تحت أقدام العلمانين في مصر والعالم العربي، فنسأل الله أن يجعل هذا في ميزان حسناته.
فالمواجهة الفكرية لكل الفرق المنحرفة نقطة بدايتها كما قال باب مدينة العلم سيدي علي الكرار: هو المحاججة بالسنة الشريفة، لضبط الفهم لآيات القرآن الكريم.
وللأسف الشديد البعد عن السنة الشريفة فتح بابا كبيرا للفرق المنحرفة وبث الشبهات ضدها وضد القرآن الكريم.
ثم إنه بحق: اضطراب بعض المتصدرين في علاقتهم بالفرق المنحرفة ومدحهم مرة وذمهم مرة، أفقدهم مصداقيتهم عند جيل الشباب خاصة، فمثلا بعض الناس والله رأيته بعيني يكتب: (الإصلاح الحقيقي لا يأتي إلا من إصلاح الإنسان روحيا وقلبيا وهذا منهج الإمام حسن البنا. رضي الله عنه)، وهذا الشخص نفسه اليوم يزعم بأن حسن البنا ماسوني وجاهل وووو وإرهابي، هذا الشخص وأمثاله على مواقع التواصل فقد الناس فيهم الجرأة في محاربة التطرف من أي نوع كان (شيعي وهابي إخواني علماني).
وبالمناسبة: كثير ممن يتكلم في مواجهة التطرف لا يعرفون غير تطرف (جماعة الإخوان وفقط) ويغضون الطرف عن التطرف المقيت للعلمانيين الذين أصبح لهم برامج وقنوات مخصصة تطعن ليل نهار في الدين، ويغضون عن تطرف الشيعة الروافض الذين يسبون الصحابة الكرام رأس الرواة للسنة الشريفة التي هي الحصن الحصين.
بل ممن يزعم التصدر لمواجهة الفكر المنحرف يحرض الناس ويجرأهم على عدم الترضي على حملة الوحي الشريف ورواته.
ثم لما نتكلم بكلمة حق مما تعلمناه في الأزهر الشريف، وغيرة على منهجه، يسلقونك بألسنة حداد، وما ذلك إلا لأن المتكلم والمحرض من شيوخهم.
هذا هو الاضطراب بعينه، هذا هو الانفصام في الشخصية بذاته.
كيف يصدقك الناس أنك على منهج الأزهر الشريف والمدافع عنه وفي نفس الوقت تغض الطرف بل تؤيد وتسكت سكوت الصخرة الصماء.
كيف لهؤلاء أن يجددوا فكرا، أو يحاربوا تطرفا، وهم غير أسوياء مع أنفسهم.
والمشكلة الأكبر يروجون لأنفسهم أنهم هم وحدهم الذين أنقذوا مصر الكنانة من التطرف، وهم وحدهم الذين يجابهون التطرف، هذا عجيب وغريب، التعصب أعماهم وأعمى بصيرتهم، وجعلهم لا يرون تحت أرجلهم.
حتى صفحاتهم على مواقع التواصل لا ترى فيها بحثا يفند شبه الخوارج، بل نتف من دروشات كاذبة ومكايدات على شوية صور من هنا أو هناك.
مواجهة الفرق المنحرفة تحتاج لجهد جماعي وخطة محكمة، وإصرار على توصيل الرسالة بكل أمانة وبكل وضوح.
المواجهة الفكرية تحتاج لرصد كل الشبه على الساحة وتفنيدها بكل وضوح بدلا من جعل الناس يبحثون عنها على مواقع الأنترنت.
المواجهة الفكرية تحتاج لتجرد لله ورسوله لا بغية منصب أو شهرة أو محمدة من الخلق.
المواجهة الفكرية تحتاج لمبدأ وليس تلون على حسب المواقف، حينما يحكم الإخوان تقدس حسن البنا وتصور للناس أنه من أكابر الصوفية والعارفين، وحينما سقطوا تلونت على حسب الحال العام.
المواجهة الفكرية تحتاج للحب العميق لأرض الكنانة والوقوف معها قلبا وقالبا ضد هذه الهجمات المتوالية عليها فكريا وثقافيا واقتصاديا، ورفع الوعي عند الناس.
أعرف أن هذا الكلام موجع ومؤلم للبعض لكن هذا بعض الحقيقة، وبداية العلاج نقد الذات، وما قصدت بهذا الكلام إلا وجه الله ورسوله وصدق غيرتي على المنهج وعلى الوطن أرض الكنانة، فإن أصبت فالحمد لله وإن أخطأت فأستغفر الله.
وحسبنا الله وكفى والله غالب على أمره
تعليقات
إرسال تعليق