تعامل العارفين مع الجماد والحيوان
وسمعت سيدي عليا الخواص -رحمه الله- يقول : من شروط من تخلق بالرحمة على العالم أن يعامل الجماد معاملة الحي فيمسك كوز الماء مثلا ويضعه برفق وشفقة خوفا أن يتألم من الوضع.
قال : وقد وضعت الكوز مرة بعنف فقال : آهـ فمن ذلك اليوم وأنا أضعه برفق.
وكان -رضى الله عنه- يملأ قعاوي الكلاب ويقول :
إنهم مساكين لا يقدرون يملؤون من البئر إذا عطشوا ويمنعهم الناس من دخول دورهم ومن الشرب من حيضان دوابهم خوف التنجيس.
وكان يرسل بعض تلامذته إلى المذبح فيأتي بشعث اللحم وبالطحال ونحوهما للقطط كل يوم ويقول : إن غالب الناس اليوم لا يطعم قطة الدار شيئا وإنما تخطف كلما قدرت عليه إذا جاعت على رغم أنفه.
وكان يتفقد النمل الذي في شقوق الدار ويضع له الدقيق ولباب الخبز على باب جحره ويقول : يمنعهم من الانتشار لأجل القوت فإن النملة إذا جاعت خرجت تطلب رزقها ضرورة وعرضت نفسها لوقوع حافر أو قدم عليها فتموت أو تنكسر رجلها فإذا وجدت ما تأكل على باب جحرها استغنت عن الخروج.
وقد تقدم في هذه العهود أن سيدي أحمد بن الرفاعي وجد بأم عبيدة كلبا أجرب أبرص أجذم عافته نفوس الناس وأخرجوه من البلد فمكث الشيخ يخدمه في صحراء أم عبيدة نحو أربعين يوما وعمل عليه مظلة من الحر وصار يدهنه حتى برئ وغسله بالماء الحار وقال : خفت أن يقول الله لي يوم القيامة : [ أما كانت فيك رحمة تشمل كلبا من خلقي ]
وسمعت أخي أفضل الدين مرة يقول : [ من الأدب إذا ركب العبد دابة أن يرحمها بالنزول عنها ولا يركب إلا عند الضرورة ] .
وقد رأيته -رضى الله عنه- قلب حافر الحمارة لما نزل من عليها وقبله وقال : [اجعليني في حل وصار يعتذر إليها كما يعتذر لمن اعتدى عليه من الناس -رضى الله عنه- .
وكان يقول : [لا ينبغي لفقير أن يجعل للنمل الطائف على رزقه مانعا يحول بينه وبينه من قطران ونحوه إلا بعد أن يخرج له نصيبا معلوما من ذلك ويضعه له على باب جحره.
وهذا العهد قد صار غالب الخلق لا يلتفت إلى العمل به حتى حملة القرآن بل صار الناس يضربون المثل بحرمانهم القطة من طعامهم ويقولون : صار فلان وفلان يأكلون من الشيء الفلاني وأنا واقف أنظر إليهم لا يرمون لي شيئا مثل قطة الفقيه
فارحم يا أخي الخلق على حسب درجاتهم وتفاوتهم على الوجه الشرعي والله يتولى هداك
لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية (ص: 178).
تعليقات
إرسال تعليق