كيف كنت عند زيارة سيدنا رسول الله؟
إن من أصعب المواقف التي مرت علي في حياتي، والتي زادت فيها سرعات دقات قلبي، وسرت قشعريرة في جسدي من مفرق رأسي إلى أخمص قدمي، واختلطت علي فيها مشاعر الفرحة العارمة مع الحزن العميق، ولا أدري كيف جُمع في قلبي الفرح مع الحزن في هذا الموقف، موقف كأن الزمن توقف فيه، وفي نفس الوقت يرجع بسرعة هائلة إلى الوراء حيث طيبة الطيبة في العهد المحمدي.
هذا الموقف هو دخولي إلى زيارة سيد الخليقة ومعدن الشريعة والحقيقة، السيد السند روح جسد الكونين وبرزخ البحرين، وجد السبطين، موقف ترى كل حياتك وذكرياتك بحلوها ومرها تمر أمام عينيك وكأنك تشهدها رأي العين.
موقف يعجز اللسان أن يترجم ما في مكنون الفؤاد من محبة عميقة لهذا النبي العظيم الذي غير مجرى التاريخ، وبث في القلوب أنوارا علوية ممزوجة بأنوار محمدية، وحول مجرى القلوب وصنع الرجال.
في هذا المواقف تزاحمت الخواطر وهجمت عليَّ صنوف المشاعر، ماذا أقول؟ وكيف أواجه الحضرة الشريفة؟
أأدخل على الحضرة الشريفة من باب ذلي وتقصيري ؟
أم أدخل من باب حنو الوالد على ولده؟
أم أدخل من باب الرحمة الشاملة والمنة المتكاملة؟
كيف أبث إليه شكواي من نفسي، وتقصيري في حقه الشريف؟
عشرات المشاعر المختلطة، التي تزاحمت على قلبي الصغير، لحظات كلما هب عليَّ نسيم روحها وريحانها تدفعني دفعا لحب أعجز عن وصفه.
هنا روضته الشريفة وهنا منبره، هنا مجمع الصالحين وكبار قادة الأمة، هنا كان تبتله تبتيلا، هنا كان صوته الندي وهو يعلم ويدرس ويبلغ ويفتي ويقضي، هنا كان زهده وورعه وخوفه ومحبته.
هنا مسكنه وموطنه، هنا بلاغته وفصاحته ورحمته ونور هداه، هنا كان يتلألأ نوره المحمدي على مسجده المبني بالطوب اللبن والحجارة وسقفه وأعمدته من جذوع النخل.
هنا تغير مجرى التاريخ في الإنس والجن.
في هذا الموقف الذي نسأل الله تعالى إلا يحرمنا ولا يحرم كل مسلم على البسيطة لا يسعك إلا أن تندفع اندفاعا مع جموع المسلمين وأن تلهج بالصلاة والسلام عليه وكأنك لأول مرة تتذوق معنى الصلاة والسلام عليه، هنا تختلط دمعة فرحك مع دمعة ندمك مع حال الطمأنينة والسكينة، وحال الفكر العميق، هنا تتلاشى كل ألوان وزخرف الحياة الدينا وتتمتع بنعيم أخروي وكأنك في الفردوس الأعلى مع سيد الخلق -صلى الله عليه وآله وسلم-.
سيدي يا رسول الله يا إمام الهدى، يا ينبوع فيض الندى، يا غيث وغوث القلوب والأرواح، يا درة تاج العنصر الخلقي، يا من سيدنا آدم ومن دونه تحت لوائك يوم القيامة، يا سر نور هذا الوجود علويه وسفليه، استغفر لنا فنحن من أمتك أنت لنا كما قلت: كالوالد لولده، وأنت بالمؤمنين رؤوف رحيم، وحريص علينا أكثر من أنفسنا، ضمنا يا رسول الله إلى قلبك الشريف، وبث في قلوبنا شعاعا من نور رحمتك وفيض جودك وكرمك، نعم نحن قصرنا في حياتنا، لكن أنت لكل شارد وعاق، أنت كهف وملاذ لكل مقصر، أدخلنا إلى باب حضرتك واجعلنا في كنف رضاك.
يا سيدي الحبيب: خذنا إليك منا، فقد حرمنا من الجلوس معك، ومن النظر إلى درة ذاتك المكنونة، وهذا قدر الله أننا لم نخلق في زمنك الشريف، وهذه حكمته العلية، فعوضنا بمدد موصول لا ينقطع، وأفض على قلوبنا من أنوار ذاتك الشريفة، ولا تحرمنا من النظر إلينا فليس لنا غيرك.
اللهم إني أسألك أن تجازي نبينا وسندنا عنا خير الجزاء، اللهم آته الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، اللهم صل عليه صلاة ترقي بها أرواحنا، وتداوي بها قلوبنا، صلاة تجذبنا اختيارا وقهرا إلى حضرته الشريفة حتى لا ننقطع عن أنوار حضرته.
اللهم اغفر وارحم والدينا ومشايخنا وأصحاب الحقوق علينا أحياء ومنتقلين.
اللهم ءامين بجاه سيدنا الصادق الأمين.
تعليقات
إرسال تعليق