(1) صناعة الكيانات الموازية
لو كان هناك مدرسة علمية ضاربة في جذور التاريخ ذات منهج علمي معروف مثل الأزهر الشريف الذي حفظ الله به الدين، وجعله حصنا حصينا لمورايث النبوة، كتابا وسنة وفقها وتزكية، فإن أردت أن تفتت هذه المدرسة العريقة فما عليك إلا أن تكون كيانات موازية ذات مناهج معرفية مختلفة، وأنماط منهجية بحثية مغايرة، وبث هذه الكيانات في الدولة التي تحتضن الأزهر الشريف، وباستخدام سياسة النفس الطويل فبعد زمن سيظهر في المجتمع مناهج مختلفة ومعارك علمية، ومدافعات ومناظرات ومؤلفات، والنتيجة تفتيت الوحدة الجمعية القوية المتمثلة في المنهج الرصين الموروث في الأزهر الشريف.
كانت تلك مقدمة مختصرة جدا:
كان الأزهر قبل مجيء الحملة الفرنسية ذو طريقة فريدة في التعليم، منهجية صارمة في الحفاظ على الثوابت المتوارثة.
ولو ظهر أي عالم أو طالب علم يغاير هذه المنهجية، كان يحقق معه بل (يجرس) ويمنع، وقد يحبسه القاضي.
ليس هذا وقفا للتجديد والتطور أبدا، بل المنهجية الأزهرية أصولها التي بنيت عليها متطورة ومتجددة، لكن التطوير والتجديد يكون على أسس معرفية منهجية واضحة وبينة، أما التطوير والتجديد على وفق مناهج غربية تخالفنا في الثوابت فهذا هو الهدم والخراب (بعينه).
أثناء وبعد الحملة الفرنسية، أعد كيان جماعة (التنوير) وجماعة التنوير قامت في الأساس على منهج (تغريبي) قائم على بحوث ودراسات المستشرقين.
فحارب التنويريون علماء الأزهر بلا هوادة، طعنا في طريقتهم بداية من طرق التلقي والتدريس والمقررات الدراسية، إلى الطعن في الثوابت وإعلاء العقل على النص، فما قبله العقل قبل، وما لم يقبل هدم أو أول تأويلا يشبه تأويل جماعات الباطنية.
وهذا الكيان إلى الآن له رواده وأنصاره ومن ينظِّرون له، وهذا التيار، هو أحد أبرز الكينات في ضعف الأزهر وتراجعه وريادته اللائقة بمكانته وسموه.
و(التيار التنويري)
لما كان لصيقا بدراسات المستشرقين، كان فكره ومنهجه قائم على الطعن في صحيح السنن، والطعن في السنن كان متحتما أن يطعن في الرواه سواء أصحاب الكتب، أو حتى الصحابة -رضي الله عنهم-.
ويكفي مثالا واحد لتفهم حجم هذه المدرسة في طعنهم في الرواة من الصحابة مثل ما قام بها محمود أبو رية وطه حسين وحتى العقاد، وغيرهم الكثير.
وعلى هذا الكيان (التنويري) قامت جماعة الإخوان المسلمين فيما بعد على يد حسن البنا ومن بعده سيد قطب، والعلاقة بين (كيان) جماعة الإخوان وجماعة (التنوير) علاقة قد لا يعرفها كثير من الباحثين، وهي علاقة متشعبة تحتاج لباحث يرصد هذه العلاقة وهل هي امتداد لكيان (التنوير) أم هي تحور وتطور لهذه المدرسة.
وفكرة التأثر بالكيان (التنويري) عند جماعة الإخوان ظهرت بوضوح في مؤلفات سيد قطب.
يتبع إن شاء الله.
تعليقات
إرسال تعليق