(التنوير) وما أدراك ما (التنوير) فهو كيان من أشد الكيانات الموازية لضرب منهجية وعالمية الأزهر الشريف، وتحجيم علماء الأزهر، وسحب البساط من تحت أرجلهم، وقد كانت معارك (التنويرين) مع الأزهر الشريف من أخس المعارك العلمية، حيث إنهم استخدموا كل السوائل للطعن في الأزهر الشريف.
من خلال الكتب والمجلات بل من خلال التمثيل في الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، ومن خلال الرواية والقصة.
بدأت هذه الحرب على أشدها إبان الحملة الفرنسية على مصر وبعدها، وأول هذه المعارك بدت وكأنها دعوة للتطوير والتجديد في نظام التعليم وأساليب التلقي وتصنيف الكتب، فعمد التنويريون إلى هدم الكتب العلمية التي كانت تدرس آن ذاك، والطعن فيها ومحاربة من يقوم على شرحها لطلبة العلم، بحجة محاربة الحواشي التي وضعها أفذاذ العلماء وكبار الأمناء على الشرع الشريف، وأن هذه الحواشي هي السبب الرئيس في تخلف الأمة عن ركب الثورة الصناعية التي قامت في الغرب، والأصل أن هذه الحرب كانت تمهيدا لفصل الدين عن الحياة كما فعلت أوربا.
وقام رواد هذا الكيان بالدعوة لتفسير جديد لكتاب الله يواكب الثورة الصناعية الغربية، والمادية التي اجتاحت دول أوربا بعد التخلي عن الدين المسيحي وحبسه في الكنائس وعذله عن الحياة تماما.
فظهرت تفسيرات للقرآن والعقيدة والتاريخ تتوائم مع الفلسفات الحديثة عند ملاحدة الغرب، فمن رواد مدرسة (التنوير) من اهتم بتفسير القرآن تفسيرا أشبه بتفسيرات الباطنية الاسماعيلية، وراح يقدح من طرف خفي ما ورد في القرآن من خوارق ومعجزات، ويتأول تأويلات سمجة لبعض ما ذكره الله -تعالى- في خلق سيدنا آدم والسيدة مريم، ويراوغ في مفهوم الملائكة والجن.
ومن رواد هذه المدرسة من راح ينكر المعجزات الحسية برمتها، فلا شق للصدر ولا نبع للماء ولا تكثر للطعان، ولا إسراء ولا معراج، وغير ذلك من المعجزات الحسية التي جرت على يد الأنبياء والرسل –عليهم الصرة والسلام-، كما فعل صاحب كتاب (حياة محمد).
وقاموا بتشويه السيرة العظيمة لسيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حيث إنهم درسوا السيرة بمعزل عن تقديس النبوة وإخضاع الشخصية المحمدية لنظريات الطب النفسي والتحليل للشخصية عبر فلسفات حديثة في تحليل شخصية الإنسان.
ومن رواد هذه المدرسة من راح ينكر بلاغة القرآن وفصاحته، وينكر الحوادث الثابتة فيه كإنكار وجود سيدنا إبراهيم -عليه السلام-. والزعم أن القرآن به أخطاء نحوية.
هذه المدرسة بدأت بمحاربة الكتب العلمية ونظام الحواشي عليها وانتهت إلى صنع كيان ضخم جدا جدا جدا من صناعة كيان مستقل تماما عن الأزهر القديم، في الفهم والتحليل في فهم القرآن والسنة الشريفة، في علوم المصطلح وخاصة علم الرواه.
ففي القرآن لهم فهم مغاير تماما خلاصته أن القرآن يخضع للتاريخيه، وهي نظرية تاريخية النص المقدس، وأن بعض آيات القرآن الكريم لا تليق ولا تتماشي مع هذا العصر.
أما السنة المشرفة فقد كان لهم حروب ومعارك وكتب ومقالات لا تعد ولا تحصى تراث ضخم جدا في الطعن في الصحيحين، البخاري ومسلم، والتوسع في الطعن في الرواة من الصحابة والتابعين. وكل هذا لإسقاط حجية السنة المشرفة التي قامت عليها علوم الفقه والعبادات والمعاملات.
ومن هذا نشأ كيان فرعي خطير جدا وهو (جماعة القرآنين) وهم جماعة تكفر بالسنة المشرفة تماما وتكتفي بالقرآن وحده ولهم ضلالات وانحرافات تجعل الحليم حيرانا.
رواد كيان (التنويرين) كانت لهم نظرات خاصة في الحكم والسياسىة تتبع نظرة الغرب في الثورات على الحكام والخروج عليهم وتأليب الناس عليهم، وبدت كتابات كيان (التنوير)، في نقد الحكم عند الخلفاء الراشدين، واستتبع ذلك نقد للصحابة -رضي الله عنهم-. والولوج في الفتنة التي قامت في أواخر الخلافة الراشدة، وفتح باب الطعن في حملىة الوحي الشريف، والدعوة إلى سلبهم خصوصيات الصحبة النبوية.
ومن هذا الخط في فهم السياسة والحكم في الإسلام، ظهر كيان جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا ثم تطور على يد سيد قطب فيما بعد إلى أن وصل للحالة التي عايشناها في عصرنا.
في المقال القادم إن شاء الله -تعالى- سوف أتكلم عن علاقة كيان (جماعة الإخوان) بالكيان (التنويري) وعلاقتهم (بالشيعة الروافض) وعلاقة التنويرين بالشيعة وتأثرهم بالفكر الشيعي.
لأن هذه العلاقة علاقة غاية في الخطورة وهي جديرة بالدراسة، وتحتاج لجهد كبير ودراسة موسعة من الباحثين حتى نفهم جيدا منطلقات وركائز الأسس التي قامت عليها أخطر جماعة في تاريخ العصر الحديث، وكان لها دور كبير في فتن لا حصر لها.
يتبع إن شاء الله -تعالى-.
تنبيه:
هنا في هذه المقالات لا أتوسع بسرد الأحداث التفصيلية ولا أذكر بعض الشخصيات المهمة في هذه الكيانات إلا نادرا، بل هذه المقالات هي أشبه بعناوين عامة حتى ينطلق من يشاء للبحث والدراسة، وحتى أتجنب صدمات البعض ممن لم يكن لهم دراية في فهم الحركة العلمية والفكرية خلال القرنين المنصرمين.
وحسبنا الله وكفى والله غالب على أمره
تعليقات
إرسال تعليق