التخطي إلى المحتوى الرئيسي

غزوة بدر ... والأمن القومي

غزوة بدر ... والأمن القومي: خل بالك كويس: وافهم دينك وتاريخك فهناك نسخة استشراقية مبثوثة بين أيدي المسلمين يستقون منها دينهم وتاريخهم. فتقريبا كلنا -إلا من رحم ربك- من الوعاظ والخطباء حينما يتكلمون عن سبب غزوة بدر لا يذكرون من أسبابها إلا خروج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ومعه جمع من الصحابة ليغيروا على قافلة قريش القادمة من الشام، وذلك زعما أن هذه القافلة وما فيها من أموال عوضا عما تركه الصحابة في هجرتهم للمدينة. هذا السبب وحده هو ما ردده المستشرقون الحاقدون على هذا الدين الخاتم، بل وزعموا أن نبينا –صلى الله على حضرته وآله وسلم- هو وصحبه الكرام ما هم –وحاشاهم- إلا قطاع طريق، كما كان العرب في الجاهلية حينما يسطون على القوافل. لكن السبب الحقيقي في غزوة بدر هو –الأمن القومي للمدينة المنورة- باصطلاح العصر. كيف ذلك؟ أنتم تعلمون أن رسول الله هاجر للمدينة ومعه الصحابة الكرام فرارا بدينهم بعيدا من كفار قريش ومن عنادهم وكفرهم وغلظتهم وأذيتهم. وهذا والله سبب كاف أن يكف الكفار عن إيذاء رسول الله ومن معه. لكن كفار قريش وبعد الهجرة وترك الأموال والديار وموطن ولدوا فيه وكبروا فيه، لم يتركوا رسول الله وصحابته ينعمون ببلدهم -المدينة-، فأعدوا العدة لحرب رسول الله في المدينة، وهذا يا سادة قبل غزوة بدر. ومن مفردات العسكرية هنا، أن تحافظ على أمنك وسلامة بلدك، وهذا ما تفعله كل الدول في العالم وفي كل العصور، وهو حينما تأتيهم الأخبار باستعداد جيش على قتالهم، تكون كل الخيارات مفتوحة ومتاحة، حتى ولو قامت هذه الدولة بالهجوم المباغت والمفاجئ على الدولة التي تريد حربها، أو تضربها في اقتصادها أو محاصرتها. وهذا بالضبط ما فعله رسول الله الذي ينزل عليه الوحي من السماء. وقبل الدخول في تفصيل ذلك فاقرأ هذه الرواية جيدا والتي تثبت أن كفار قريش عزموا على ضرب المدينة بثورة داخلية أولا حتى يسهل مهاجمتها بجيش جرار. وهذه الثورة ما نسميه اليوم - بالحرب بالوكالة - فقد أخرج أبو داود في سننه، وعبد الرزاق في مصنفه والرواية من أبي داود (3/ 156) عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَتَبُوا إِلَى ابْنِ أُبَيٍّ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَعَهُ الْأَوْثَانَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ: إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا، وَإِنَّا نُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَاتِلُنَّهُ، أَوْ لَتُخْرِجُنَّهُ أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ بِأَجْمَعِنَا حَتَّى نَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُمْ، وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، اجْتَمَعُوا لِقِتَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُمْ، فَقَالَ: «لَقَدْ بَلَغَ وَعِيدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمُ الْمَبَالِغَ، مَا كَانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ، تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا أَبْنَاءَكُمْ، وَإِخْوَانَكُمْ» هذا التحريض والتهديد كان قبل غزوة بدر، فقد كان كفار قريش سيحدثون مقتلة بالمدينة المنورة باستغلال جماعة من المنافقين وجماعة من عباد الوثن. لكن الرسول الكريم بحكمة النبوة أخمد هذه الثورة من المنافقين وعباد الأصنام وفشلت تماما. فالقافلة يا سادة: هي اقتصاد قريس فيها أمولهم التي يتقون بها لشراء السلاح وتجهيز جيش لمحاربة رسول الله في المدينة. بعد علم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بما خطط له كفار قريش لحربه وعدم تركهم لرسول الله حتى بعد تركه لمكة أحب بلاد الله إليه. فالأمر البدهي ما تقوم به أي دولة في أي مكان، أن تجهض حربت وشيكة على أرضها. فكان لزاما قطع الطريق وممر التجارة الذي يقوم اقتصاد قريش عليه، حتى لا يستطيع كفار التسليح والاستعداد لهذه الحرب التي خططوا لها. ووالله هذا رحمة بقريش ورحمة بالمسلمين، لأن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- علمنا ألا نتمنى لقاء العدو. فأخذ القافلة رحمة بقريش وبالمسلمين لأن أخذها كان سيمنع حربا بين الفريقين. فالعمل على منع تسليح قريش أرحم من تسليحهم وقتالهم للمسلمين. حتى أن رسول الله بعد نجاة القافلة حاول الرجوع للمدينة المنورة، لكن قريشا أبت إلا الحرب والعناد والظلم، فكان ما كان من نصر الله للمؤمنين نصرا مؤزرا. وكان غزوة بدر فاجعة وكارثة على كفار قريش قتل فيها سادتهم وكبراؤهم، وأعز الله في هذه الغزوة أهل الإسلام وقوية دولتهم. هذا باختصار ... والله أعلم. كتبه/ أبو صهيب الحجيري

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السند المبارك في الطريقة القاوقجية الشاذلية

السند المبارك في الطريقة القاوقجية الشاذلية المقدمة ِبسْمِ الله الرَّحْمن الرَّحيم الحمد لله الذي أفاض على أولياءه بصنوف المعارف اللدنية، والرقائق والحكم الإلهامية، وتوجهم بتاج الكرامة والفيوضات العرفانية، ونور بواطنهم بالأنوار الإحسانية واصطفاهم  وخصهم لحضرته العلية. والصلاة والسلام على حقيقة الحقائق الربانية، وسر أسرار المقامات الاصطفائية، النور الذي أضاء العوالم العلوية والسفلية، الرحمة الشاملة لجميع العوالم الوجودية. وعلى آله سرج الهداية، وأقمار الولاية، ونجوم الأمان لأهل الأرض. وعلى أصحابه الذين تتزين بسيرتهم المجالس، وتتعطر بذكرهم المحافل، أساطين العلوم، وأرباب الفهوم. وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. أما بعد: يقول العبدُ الفقير الذليل، الرَّاجي عفو ربه الجليل، أبو صُهيب فتحي بن سَعيد بن عُمر بن أحمد بن خليل، الحُجَيري نسبًا، المالكي مذهبًا، الأشعري عقيدةً، القاوقجي الشَّاذِلي طريقة لقد شرفني الله "سبحانه وتعالى" وسلكت طريق السَّادة الصَّوفية القَاوقْجِيَّة الشَّاذِليِّة، سنة اثنتا عشر وأربعمائة وألف من الهجرة النبَّوية، وكان عمري آن ذاك ما يقرب من ال...

نبذة عن حياة الشريف، إسماعيل النقشبندى -رضى الله عنه-

نبذة عن حياة الشريف،   إسماعيل النقشبندى -رضى الله عنه- هو الحسيب النسيب، سليل بيت النبوة والفتوة، مولانا الإمام الشريف إسماعيل بن تقاديم بن رحمة، بن الأمير أحمد أبو سليمان، بن الأمير سعيد، بن الأمير سعد، بن الأمير زيد الحسني، وأمه هى الشريفة رية بنت الإمام محمد أبو بكر الميرغني، وشقيقة كل من القطب الكبير سيدى محمد عثمان الميرغنى، وسيدى الإمام عبد الله الميرغني، مفتى مكة والشريفة مريم أم  القطب العظيم سيدى محمد بن ناصر الإدريسى المشيشى المغربى. ولد شيخنا -قدس الله سره- فى الحادى عشر من شوال سنة ١٢١٦هـــ من هجرة النبى -صلى الله عليه وسلم-، فى قرية الدنيق بمديرية بحر الغزال بجنوب السودان، حيث هاجر جده اليها من مكة لظروف سياسية أجبرته على ذلك. حفظ الشيخ القرآن الكريم مبكرا، ثم ألحقه جده الشريف (رحمة ) بمحضرة سيدى المختار الكنتى بصحراء أزواد من بلاد شنقيط، ومكث بها عشر سنين تضلع فيها من العلوم العربية والشرعية على سيدى المختار الكنتى الشنقيطى، ثم على ولده وخليفته سيدى محمد المختار، وفى عام ١٢٣٥هــ التحق -رضى الله عنه- بالأزهر الشريف وأخذ عن علمائه الأجلاء ، وعاد...

العَارفِ بالله السَّيد محمَّد بن عبد الرحيم النُشَّابي الحسني

                                 العَارفِ بالله السَّيد محمَّد بن عبد الرحيم النُشَّابي الحسني هو العالم العلامة، والحبر الفهامة، مرشد السالكين، ومربي المريدين، سيدي محمد بن عبد الرحيم النشابي الحسني الشافعي الشاذلي الأحمدي الطنتدائي.  شريف حسني من جهة أبيه وحسيني من جهة أمه. وهو: محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوارث بن خليل بن علاء الدين بن إبراهيم بن جمال الدين بن محمد بن الأخضر بن داود بن أحمد بن محمد بن حسن بن محمد بن عبد الله أبي نشابة (سيدي عبد الله أبي نشابة ضريحه بالضهرية من قرى محافظة البحيرة وإليه تنسب الأسرة, وكان من أصحاب القطب الدسوقي) بن مرعي بن أحمد القناوي بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن يونس بن سلامة أبي الأنوار عن ترك بن سلامة الأواب بن إبراهيم بن علي بن محمد بن داود بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي ابن أبي طالب زوج فاطمة الزهراء بنت سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. ولد عام 1261هـ (1845م) وكان من أكبر علماء الأزهر وأ...