كَيفَ تُدمر عَقلك:
العقل من أجل النعم التي أنعم الله -تعالى- بها على العبد، ولذلك كان المحافظة على العقل كي يفكر بطريقة سليمة جعل ديننا الحنيف (المحافظة على العقل) من المقاصد الكبرى التي جاء بها الشرع الشريف.
ومن هنا كانت حكمة تحريم الخمر لأنه يدمر العقل ويصبح المخمور بلا عقل يفكر به ويختل عنده الميزان فتصير الرذيلة محمودة، والحق باطلا، والباطل حقا.
ولذلك اهتم عدوك جدا بتدمير الوعي عندك والتفكير السليم وتقدير الأمور، وفهم الواقع، وزرع بذور اليأس، وفقدان الأمل، وغرس غراس الإحباط، فينتج عندك السب والشتم والكره والغل والحقد والغش والفساد وعدم التعامل مع من حولك، والنظرة للأمور نظر المغشي عليه من الموت.
السيطرة على العقل وتدمير الوعي السليم، وإشاعة الوعي المزيف، حرب لها أصولها وفنونها ورجالها وأجهزتها.
إنهم يشكلون الوعي من خلال الأفلام والمسلسلات والألعاب، والبرامج التافهة، والأغاني الهابطة، والشعر المكذوب، والمجلات والصحف.
هم من خلال عمل مسلسل واحد كفيل أن يوجدوا حالة من الاستنساخ للممثل البلطجي الحرامي في ملايين من الشباب الجاهزون للتقليد وانفصام الشخصية.
ونحن في زمن فتن عظيمة هذه الفتن لا يفطن لخطورتها كثير من الناس، لأنهم لم يتمسكوا بالشرع الشريف الكاشف للوعي المزيف والحرب على العقل.
أتركك مع حدث عظيم تستلهم منه العبرة:
في غزوة الأحزاب بلغت القلوب الحناجر، وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا، وظن الناس الظنون، فهي من أصعب الحصارات التي ضربت على المدينة، وتكالبت كل طوائف الكفر وقبائل الشرك بالاشتراك مع أخبث أهل الأرض وهم اليهود.
فتخيل هذه الجيوش التي جاءت من شتى قبائل العرب تحيط بالمدينة الشريفة إحاطة القيد بالمعصم، وقد جاءت بعدتها وعتادها لعمل إبادة جماعية لا يسلم منها كبير ولا صغير ولا شجر ولا مدر، ومع هذا معهم قبائل اليهود الذين خانوا ونقضوا دستور المدينة الذي ينص على الدفاع المشترك مع المسلمين حين يفجأ المدينة عدوا من الخارج.
طال الحصار.
وأهل المدينة في جدب وجوع بلغ منهم الجوع بأن ربطوا حجارة على بطونهم من شدة الجوع.
في هذا الوقت العصيب الذي زلزل فيه المؤمنون، لا يملكون إلا اللجوء لله -تعالى- وأن الله -تعالى- ينصر من ينصره.
في هذا الوقت وهم في همِّ عظيم وكرب شديد، تعترض صخرة كبيرة المسلمون وهم يحفرون مانعا صناعيا (الخندق) فيمسك الرسول بمعول لتفتيت هذه الصخرة العظيمة التي ستكون ثغرة يدخل منها جيش العدو.
يضربها ضربة محمدية أحمدية بسر لا حول ولا قوة إلا بالله فتضيء ما بين لابتي المدينة.
فيرفع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- صوته بقول (الله أكبر).
ولك أن تتخيل الصوت النبوي الشريف وهو يخترق السماء بقول الله أكبر.
هذا الصوت بهذه الكلمة كفيلة بتثبيت قلوب المؤمنين، وبعث السكينة في قلوبهم وأرواحهم.
نعم إنه المدد
إنه النور الذي خرج من القائد الرسول وهو يثبت جنوده
بل ويقول في هذا الوقت العصيب الشديد.
الله أكبر فتحت فارس
ثم يقول: الله أكبر أراني الله قصور بصرى بالشام.
الذي يحكم فارس امبراطورية مترامية الأطراف وهي دولة (فارس)، وامبراطورية الروم بالشام وما حولها.
أكبر قوتنين عظميين في هذا الوقت وهي في عصرنا كامبراطورية الاتحاد السوفيتي وبريطانيا العظمى سابقا.
نعم:
في هذا الوقت الذي يربط الجندي على بطنه حجرا من شدة الجوع والحصار والبرد والهم.
يزرع فيهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الأمل بالوحي الرباني، أنهم سوف يفتحون هاتين الدولتين.
إنه درس في الوعي السليم القائم على أن النصر بيد الله، وأن الفاعل على الحقيقة هو الله، وأن العبد ولا بد أن يكون حوله وقوته بالله، وأن العبد مهما كان قويا ومهما كانت أسلحة العدو متطورة فإن الحق سينتصر ولو بعد حين.
هذا الدرس النبوي هو هدية لمن أحاط بهم البأس، وظنوا بالله الظنون، وزلزلت قلوبهم خوفا من أعداء الله وأعداء الإنسانية من الدول الكبرى المتطورة سلاحا وعتادا واقتصادا وإعلاما.
هو هداية للحيارى من هذه الأمة المكلومة التي أحاط بها كل كلاب الأرض من الداخل ومن الخارج.
هدية محمدية أن هذه الأمة نعم سوف تغربل وستفتن لكن لن تخرج والله وتالله وبالله إلا وهي منصورة بنصر الله -تعالى- من حيث لا تحتسب.
والله العظيم ليتمن الله هذا الدين حتى يدخل كل بيت على وجه الكرة الأرضية فما من بيت من حجر ولا مدر إلا وسيدخله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل.
والله العظيم ستتحطم هذه الدول التي تكبرت وتجبرت وزرعت الفساد والعهر والظلم.
فاحذر من تغييب الوعي والحرب الإعلامية على عقلك، وأن تنس أن عقيدتنا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأن رسولنا وهو الصادق أخبرنا لأن الله سيتم أمر هذا الدين ويدخل كل بيت على وجه الأرض.
ستخضع لنا الصين والهند وروسيا وأمريكيا، طال الزمان أم قصر.
المهم أن تعمل وتكد وتعد ما استطعت من قوة الإيمان وأن تحافظ على وطنك وبلدك ضد كل مخرب وفاسد ومحبط.
لا تسمع لمن يزرع اليأس.
لا تشاهد من يشيع الإحباط.
لا تستسلم للفتن.