على المتصدرين للتدريس لطلبة العلم في الأروقة العلمية أن يخصصوا درسا لدراسة نقد ونقض كتب الاستشراق، وخاصة المستشرقين اليهود، لأن كل فساد في المنهجية العلمية في القرنيين المنصرمين كان من خلال بث شبهات المستشرقين وترهاتهم على الكتاب والسنة والشريفة، وجلُّ المتصدرين في الفضائيات في الطعن في الشريعة مصدرهم كتب الاستشراق، والراصد للحركة العلمية في هذين القرنين المنصرمين سيجد هذا واضحا جليا بينا، حتى أنه صار المنهج الاستشراقي في البحث له الغلبة على المنهج الإسلامي.
فالمنهج الاستشراقي قائم على تهوين المقدس، وحرية النقض وليس النقد، وخاصة في كل ما يتصل بالوحي الشريف.
وقد ركز المستشرقون على أركان التبليغ الثلاثة (القرآن الكريم، والسنة الشريفة، وعلم التزكية والتربية).
ففي القرآن، ابتدعوا نظرية (تاريخية النص) لقطع المسلمين وحجبهم عن كتاب الله -تعالى- وأثاروا الشبه حول مصدر القرآن هل هو وحي من الله لسيدنا رسول الله أم هو من الكتب السابقة والديانات الوضعية والثقافات التي كانت سائدة في عصر النبوة وما قبلها، ومنهم من أثار الشبهات حول تحريف القرآن ونقصانه وتبديله، والطعن في جمعه أيام سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ومنهم من طعن في بلاغة القرآن وإعجازه ومخالفته للغة العرب إلى غير ذلك من الشبهات التي أقاموا عليها الدنيا في مصنفاتهم.
أما عن السنة الشريفة فحدث ولا حرج، فقد ظهر بسبب كتب الاستشراق فرقة (القرءانين) وهم منكروا السنة الشريفة والاكتفاء بالقرآن وحده، وتوصلوا إلى ذلك من خلال الطعن في نقلة السنة الشريفة من كبار الصاحبة والتابعين، والطعن ليل نهار على الكتب التي دونت السنة الشريفة وخاصة الصحاح.
أما عن التصوف (التزكية والتربية) فهذا ميدانهم فقد خصصوا في معاهدهم وكلياتهم الشهيرة أقساما لدراسة ما كتبوه حول التصوف ورجاله وقاموا بأكبر سرقات علمية لمخطوطات الأكابر من أهل الله.
وحتى يصرفوا الناس عن التربية والتزكية (التصوف) ظهرت فرق في العصر الحديث ممولة من دول للطعن في كل ما يتصل بالتصوف السني القائم على الكتاب والسنة.
وقد روجوا لنظريات الحلول والاتحاد ووحدة الوجود والاتصال بعالم الجن والشياطين، وفكرة وحدة الأديان التي صارت عند كثير من الناس من المسلمات، وفي كل هذا أرادوا إيجاد الصلة بينه وبين كتب القوم من أهل الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
بل أحدثوا للناس تصوفا قائما على الانغماس في سماع الموسيقا واللف والدوران، تصوفا قائما إما على العزلة عن الواقع، أو تصوفا قائما على تقديس (الأنا).
أو تصوفا يبيح الاختلاط الماجن بين الذكور والإناث بحجة المحبة في الله، وتصدير المردان وحِساَن الصور في المجالس العامة وخاصة في مجالس الإنشاد والذكر.
هذا التصوف الاستشراقي لا يصنع إلا درويشا (متسهوكا) فيه خلاعة وميوعة منزوع الغيرة على حرمات الشريعة الغراء.
التصوف الاستشراقي قائم على دس سموم ترهات اليهود والبوذية والزرادشتية والمسيحية، حتى يصنعوا درويشا لا يؤمن بدين معين بل كل الديانات حتى الوضعية والوثنية ديانات توصل للمعرفة الحقة.
أيها السادة:
الأمر جد خطير وخطير، وأزعم أن خطر كتب الزنادقة والمستشرقين أخطر بكثير من فكر الجماعات المنحرفة كالسلفية والإخوان والجماعات الإسلامية ومن تفرع من هذه الفرق المنحرفة.
لأن هذه الفرق ما ظهرت إلا بعد شيوع كتب الاستشراق بين المسلمين، وإحداث دين موازي بكل ما تحمله العبارة وبث نُسَخِ هذا الدين الجديد الذي يروج له بكل الوسائل والطرق مرئية أو مسموعة أو مقروئة.
شغلوا العلماء وقتلوا وقتهم بالرد على هذه الجماعات -وهو لا شك مهم للغاية- عن الرد وتفنيد مصادر هذه الجماعات المنحرفة والمدقق سيجد الصلة واضحة بين الاستشراق وهذه الفرق المنحرفة، بل كل باحث يعرف تماما أن هذه الرفق صنيعة الصهيونية العالمية، وما كلام محمد بن سلمان عنكم ببعيد حيث صرح بذلك.
فاقطعوا رأس الحية بدلا من التقطيع في ذيلها.
وأكاد أجزم أن من يتصدر للعلم بدون الاطلاع الواسع على كتب الاستشراق وشبهاتهم والجواب عليها فهو يحرث في الماء ولن يصنع عالما حقيقيا يعرف النسخة الأصلية من هذا الدين الخاتم، ويميز بين الغث والسمين.