صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
أدرك المستشرقون تماما قوة البعد الروحي المبني على التزكية والتربية المؤصلة على أركان الأخلاق المستمدة من أخلاق الأنبياء والمرسلين، وعلموا أن أكبر عقبة تواجههم في هدم الأديان والتلاعب بها والتحريف في قواعدها، لأن العقيدة المبنية على أسس التزكية عقيدة راسخة متينة تتجزر في عمق النفس الإنسانية، شجرة عتيقة أخرجت شطأها واستوت على سوقها.
فاهتم علماء الاستشراق اهتماما بالغا بدراسة الجوانب الروحية عند المسلمين، فاهتموا بكتب وموسوعات أهل التصوف من أهل الله، سرقوا علوم أهل الله المبثوثة في مصنفاتهم، ثم وجهوا خطتهم حتى يهدمون أعظم ركن من أركان التبليغ وهو ركن (التزكية والتربية) لأنهم علموا أن أعظم ما يمدح به الإنسان هو (الخلق) فصاحب الخلق يدع للدين بدون أن ينطق بحرف، دون أن يصرخ في وجوه الناس بالمواعظ، دون أن يصنف أو يدبج المقالات، صاحب الخلق يحمل بين جنباته قوة روحية تهيمن على من ينظر إليه، وينجذب إليه الكل أينما رحل وإينما حل، صاحب الخلق يخترق بحسن خلقه القلوب القاسية فتلين له، ويوجه من يراه إلى الطريق المستقيم بنظرة أو ابتسامة.
علم المستشرقون أن سيء الأخلاق تتنافر منه القلوب والأرواح، تفر من مجلسه، ويحصل لروحه الضيق والهم والنكد، فالنفوس الخبيثة تصحبها الشياطين أينما حلت، صاحب الخلق السيء يهدم ولا يبني، ويحزن ولا يفرح.
فالله -تعالى- قد وصف سيد الخلق إمام التربية والتزكية والتصفية والتحلية بأنه على خلق عظيم فقال الله -تعالى-: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4].
صاحب الخلق العظيم نقل هذا الخلق إلى المؤمنين به والمقتدين به، فشربت أرواحهم من هذا النبع الصافي المحمدي الأحمدي المصطفوي، ولما شربت أرواحهم من هذا النبع الصافي اخضرت في قلوبهم شجرة الأخلاق فكل من ينظر إليها تطرب روحه، شجرة يستظل بها أهل البعد من حر القطيعة فيثوبون ويتوبون، شجرة ترفرف بأغصانها على الكل.
من هنا كانت المكيدة لهذا الإرث الروحي المتمثل في أهل التربية والتزكية، فقد قام المستشرقون بعدة دراسات حتى يحجموا هذا الخطر العظيم عليهم.
من هذه الدراسات اهتمامهم بتشويه صورة كبار أهل التصوف وتشويه سيرتهم عند المسلمين، فأظهروا كبارهم أنهم جنسيون يميلون إلى الاستغراق في الشهوات الجسدية المادية، فنسبوا إليهم الإباحية والخلاعة والفجور، نسبوا إليه عقائد باطلة منحرفة وحاولوا إيجاد صلة بينهم وبين التصوف اليهودي أو المسيحي أو البوذي.
نسبوا إليهم صحة كل المعتقدات المنحرفة وأنها كلها توصل إلى معرفة الله تعالى.
هذه الدراسات جعلت الكثير من أبناء المسلمين يلعنون التصوف والصوفية ليل نهار، بل ويكفرونهم ويفسقونهم بل ووصل الأمر للتصفية الجسدية، بل وزاد الفجر والحمق بأن نبشوا قبور الصالحين والعلماء في بلاد شتى وهدموا مقابرهم ظنا منهم أنها أوثان تعبد من دون الله -تعالى-.
أما آن لأهل التصوف:
أن يستفيقوا من هذه الدروشة الكاذبة المبنية على ادعاء الأحوال، وتسلق مقامات الصالحين.
أما آن لنا أن نعود بحق إلى طريق التزكية والتربية على الأصول النبوية الشريفة العالية وننبذ ما غرسه المستشرقون وبثوه في ثنايا كتبهم ودراساتهم.
لا تلتفتوا إلى دعوات يغلفونها بالعسل ويبهرجونها بالزينة.
ألا فلتتجهوا إلى قراءة إحياء علوم الدين درسوه لتلامذكم بدلا من إظهار قدراتكم في التكلهم بالإلهام وإيهام مريديكم أنكم على علم لم يعلمه أحد من العالمين.
لا تقتلوا شخصيات مريديكم بدعوى الانكسار والتذلل وفي الحقيقة أنكم تخلقون مريدا فاشلا منطويا على ذاته غير نافع لنفسه ومجتمعه.
علم مريدك العقيدة الصحيحة الصافية أن الصالح يصيب ويخطأ وصوابه أكثر من صلاحه، حتى يصل المريد لتقديس الشيوخ ويتابعهم حتى على الخطأ البين الواضح الجلي.
علم أولادك ما يجب عليهم من الفقه من أحكام الصلاة والصيام والطهارة.
يا أيها المقدم في الطريق والله سيحاسبك الله ورسوله يوم القيامة وأنت تحدث أتباعك في أمور ذوقية دقيقة ومعارف فوق عقولهم وهم يجهلون أحكام قضاء الحاجة وكيفية الغسل ومباديء علوم العقيدة.
اشرح لهم متن الخريدة للسيد أحمد الدردير حتى يعرفوا عقيدتهم من منابعها الأصلية.
بدلا من أن يذهب مريدك إلى تعلم العقيدة على يد المجسمة والمشبهة.
أسأل الله تعالى أن يصلح حالي وحال المسلمين