نورانية الذات المحمدية
سألني ماذا تقول في قول العارف بالله تعالى الإمام البوصيري في قوله:
محمد رويت بالنور طينتـــــه ***** محمد لم يزل نوراً من القـــدم؟
فأقول وبالله التوفيق:
اعلم يا أخي أن الله -تعالى- قد هدى العقل البشري أن يصطفي من التراب زجاجا صافيا، واصطفى من الزجاج عدسات زجاجية تقرب البعيد عنا ألوف الألوف من الكيلو مترات، وتبعد عنا القريب منا، وتكبر الصغير الذي لا يرى بالعين المجردة ألوف المرات، وتصغر الكبير جدا حتى يصير بحجم السمسمة، فبالزجاج تعالج قصر النظر، وبالزجاج تعالج طول النظر، زجاج به نلتقط الصور، ونسجل الأحداث في شتى بقاع الأرض، بالزجاج توقد النار العظيمة، وتسخن البارد حتى الغليان.
فكيف لعقل أن يصدق أن زجاجا من تراب يقرب ويبعد ويعالج ويصور ويشعل النار إلى غير ذلك من الأعاجيب والغرائب وبديع الصنع.
ولا يصدق أن ذات المصطفى ذاتا مصطفاة تتميز عن سائر ذوات البشر وهو بنفسه القائل لنا:
كما في "صحيح البخاري": (إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ).
فطينته -صلى الله عليه وآله وسلم- طينة نورانية لا كثافة فيها ولذلك امتطى البراق الذي لا يثبت عليه جسم كثيف، ولا ظلمانية فيها لأنه هو الذي يخرج الناس من ظلمانية الحجاب إلى نور الله الوهاب، فروحه نور وذاته نور وهو نور على نور وقد ضرب الله لنوره مثلا بالمشكاة النورانية كما في سورة (النور).
وقد وصفه بالسراج المنير، ووصفه بالسراج المنير يدل على أن ذاته نور حيث إن ذات السراج نور وهذا النور يشرق على العالمين، فيهتدى به الناس وهذا النور يبدد الظلمات.
وهذا النور لا يسكن إلا في أصله الذي جاء منه وهو الجنة ولذلك كان ما بين بيته ومنبره روضة من الجنة، وقد ورد أن الإنسان يدفن من حيث خلق.
فالجنة نور وطينتها من النور ولذلك حتى من يدخلها يدخلها بذاتية نورانية كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
ولذلك لما قوي شهود أحبابه -صلى الله عليه وآله وسلم- شهدوا منه النور يخرج من ذاته الشريفة حينما يتكلم فكان إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه، وشهدوا هذا النور يسطع في ذاته فقال ناعته: كأن الشمس تجري في جبينه.
قلت: فما من ولي لله -تعالى- إلا ويعتقد أنَّ الذات المحمدية ذات نورانية بل ونورانيتها أعلى وأرقى وأسمى وأجلى وأحلى وأكمل وأتم من نورانية ملائكة الله أجمعين.
هذا باختصار شديد، والأمر فيه تفصيل، وتكفى الإشارة عن كثير العبارة، والله أعلم.