النـــُّور الأسنى في كشف معنى التَّسليم
سلّم: دفع
إليه الشيء، وتسلم: أخذه.
والتسليم بذل الرضا بالحكم.
والتَّسليم أيضا: السَّلام.
وأسلم:
دخل في السِّلم وهو الاستسلام.
وأسلم: من الإسلام.
وأسلمه:
أي انقاد
والسلام
من التسليم، والاستسلام.
والسَّلام: اسم من أسماء الله، وهو البراءة من
العيوب.
وقلب
سليم: يعنى سالم.
تسليم: سلامة، وسلمه الله منها.
وبعد
التدقيق في ما سلف من المعاني يتضح أنَّ التَّسليم هو: استسلام لعقيدة التَّوحيد، وبذل
الرِّضا بأحكامها ممن أسلم وجهه لله منقادا له، وراضيا بشرائعه، وممتثلا لحكمه، فمن
سلَّم دخل في السِّلم والتَّصالح، وتجلى عليه المولى باسم السلام فبرأه من العُيوب،
وزينه بالجمال والكمال والجلال، وجعله عبدًا نورانيًا في أذكاره، محمديا في أخلاقه،
معافا من الشائنات، وسالما من المهلكات.
فالتسليم
راحة للقلب، وطمأنينة للنفس، وحرز للروح، وسلامة القلب من الآفات المعطلات لسلطان
الإرادة، والحاجبة للمرادات الروحية كالسبح في ملكوت الآيات الكونية، وفى ملكوت
المعاني القرآنية، ومشاهدة أسرار المبهمات الحسية والمعنوية، فبالتسلم شغفت الروح
بربها حبا واستئناسا، ولاذت بنبيها -عليه الصلاة والسلام- لتتم لها الجمعية
الإيمانية تصديقا ووفاءً.
فالتسليم
أن نرضى بأحكام الله إيمانا بعدالتها، ووثوقا بضرورتها، واعترافا بفضيلتها، وأن
نرضى بشريعة الله إيمانا بحكمتها، واعتقادا برشدها، ووثوقا بفائدتها للنفس.
وأن
نرضى بقضاء الله إيمانا برحمته، واعتقاداً في كرمه، ووثوقا في علمه وتقديره.
وأن نرضى
بوعده، فإنه –سبحانه وتعالى - لا يخلف الميعاد، ووفى بعهده { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ
مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 111].
والرضا
بوعده يقتضى منا التسليم له، فيما يأخذه منا بسلطان إرادته دون اعتراض أو تحسر، أو
ندم، لأنَّ الخلق صنعته، وما يريده من خلقه حقه، وما أراده هو الذى أعطاه، وجاد به،
فيما ملك الخلق حتى أنفسهم وديعة لله، ويسترد وديعته متى شاء وكيف شاء، وأين شاء، وما
وعده على الصبر على ذلك من الأجر والثواب تفضلا منه لا وجوبا عليه.
فالرضا به شكراً عليه، { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ
لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
} [إبراهيم: 7]
والتسليم
هو جوهر الإسلام وعقيدته، وعماد الإيمان وذروة سنامه.
وقد
أخطأ كثير من المبتدعة من أدعياء التَّصوف في فهم التسليم، وحولوه إلى تواكل، وخرافات،
وأباطيل، ونحل شيطانية، لا عصب له، ولا نسب في الدين.
فتركوا
أعمالهم تواكلا باسم التسليم بحجة (ما قدر لك سوف يأتيك) ونسوا قوله –سبحانه وتعالى-
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا
مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].
وتركوا عبادتهم تواكلا باسم التسليم وزعموا أنه (ليس
بعد الحب فرض)، ونسوا أن هذا كلام مبهم يحتاج إلى توضيح بأنَّ المحب يجتهد في
إرضاء محبوبه، ويبذل له الرضا، ويرى ما فرضه عليه قليلا في حقه حيث أن حبيبهم تلطف
بما فرض عليهم ـ ففرضوا على أنفسهم قيام الليل، وصيام التطوع، وجادوا بما يملكون في
سبيله تحببا إليه، وتضرعا لجنابه العظيم، وتذللا لجلال قداسته، فحب الله فرض عليهم
طلبه، والشوق إليه، والرضا بقضائه.
فالتسليم
هو منشأ العقيدة، وطريقة انعقاد شريعتها فرضا ونفلا، وحكما وقضاء ليس تهاونا فيها،
ولذلك سميت العقيدة (إسلاما ) لأن فيها بذل بإقامة الحدود، ومزاولة التكليف، والإيمان
هو عرى الدين بمعنى: إسلام بلا تصديق لا يكون إسلاما، لأنه قد انفصل عن عراه.
فالإسلام
مع الإيمان كالزر في عروة القميص تشده وتحكمه، فلو انفلت من العروة انخلع وتهدل.
من هنا
نجد أن من يُسلِم أي: يدخل في الإسلام مرتضيه عقيدة لله، وهو محسن زائدا على
تكليفه ببذل للرضا به فقد قد رسخ إيمانه، وثبتت عقيدته، وتمت ولايته وكملت هدايته.
وعلى الله قصد السبيل.