من إشراقات وإشارات سيدي علي الخواص
وسمعت سيدي عليا الخواص -رضي الله عنه- يقول:
لا ينبغي إظهار الأعمال إلا للأكابر من العلماء والصالحين
الغواصين على دسائس النفوس وأما أمثالنا فربما يظهر الواحد منا أعماله رياء وسمعة
وتلبس عليه نفسه وتقول له أنت بحمد الله من المخلصين وإنما تظهر هذه العبادة
ليقتدي بك الناس فينبغي لمثل هذا أن يمتحن نفسه بما لو جاء أحد يفعل ذلك الخير
وتنقاد الناس له مثله أو أكثر منه فإن انشرح لذلك فهو مخلص وإن انقبض خاطره فهو
مراء دق المطرقة ولو أنه كان مخلصا لفرح بذلك أشد الفرح الذي قيض الله -تعالى- له من
كفاه المؤونة [ أي كفاه مشقة تعليم هؤلاء ] ثم إن قالت له نفسه إنما تشوشت لفوات
الخير العظيم الذي كان يحصل لك من حيث هو خير فليقل لها:
إني معتمد على فضل الله لا
على الأعمال فإن دخلت الجنة فإنما هو برحمة الله -تعالى- لا بعملي فينبغي للعبد أن
لا يصغي لدعوى نفسه في الإخلاص وليمتحن الشيخ أو المدرس نفسه بما إذا فرت جماعته
كلهم منه إلى شخص من أقرانه وبقي وحده لا يجد أحدا يتمشيخ عليه فإن انشرح لذلك فهو
مخلص وإن حصل في نفسه حزازة فالواجب عليه أن يتخذ له شيخا يخرجه من ظلمات الرياء
وإلا مات عاصيا وذهب إلى الآخرة صفر اليدين من الخير لأن الله تعالى لم يقبل له
عملا
وسمعته أيضا يقول:
ينبغي للعامل إذا درس في مثل
جامع الأزهر أن يحرر نيته قبل ذلك ولو مكث سنين بلا إقراء حتى يجد له نية صالحة
وذلك لغلبة دخول الأكابر الذين تميل النفوس إلى مراآتهم من الأمراء والأغنياء إلى
الجامع، وكان النووي إذا درس في المدرسة الأشرفية بدمشق يوصي الطلبة أن لا يجيئوا
دفعة واحدة خوفا من كبر الحلقة
وكان إذا درس جلس في عطفة المسجد ويقول: إن
النفس تستحلي رؤية الناس لها وهي تدرس في صحن المسجد أو صدره.
وبلغه يوما وهو يدرس في جامع بني أمية أن الملك
الظاهر عازم على الصلاة في الجامع فترك التدريس وحضور المسجد ذلك اليوم.
فإياك يا
أخي أن تعقد لك مجلس علم أو ذكر الله -تعالي- أو صلاة على رسول الله -صلى الله عليه و
سلم- بحيث يراك الناس إلا أن تكون سالما من هذه العلل والآفات.
