من إشراقات العارف بالله
السيد محمد المهدي عبد الله القاوقجي الشاذلي
الحِكمةُ في معناها الشرعي
الحكمة في معناها الشرعي هي:
السُنةُ، والسنة والقرآنُ من مِشْكاةٍ واحدةٍ، يبدو ذلكَ في قولِهِ تعالى: ﴿قُلۡ
إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ
إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا
صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ١١٠﴾[الكهف: 110]،. وقولِهِ
تعالَى: - ﴿وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ ١ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا
غَوَىٰ ٢ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ
يُوحَىٰ ٤ عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ ٥﴾[النجم: 1-5]
وقولِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( أَلَا إِني أُوتِيتُ
الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ
مَعَهُ)) ([1]).
والحِكمة في معناها البلاغيِّ هي
جوامع الكِلم، وهى القول الفصل، وهى الرَّشد.
وحِكمةُ الرَجُلِ في قولِهِ
هي: تركُ الفُضولِ من الكلامِ.
والحِكمة هي: وضعُ الأمورِ
في نصَابها من غير انحراف عن مواضعها، والحِكمة في القول وردت في كتاب الله بآيات
كثيرة منها: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ
لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ
ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ ١٢﴾[لقمان: 12]. أَيْ كان حَسَنَ التَّصَرُّفِ في
قولِهِ وفعلِهِ وحالِهِ، وكان يأتي بالجُملة في أوجز معانيها، وقوله –تعالى-: ﴿وَإِذۡ
قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ
إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ ١٣﴾[لقمان: 13].
فقد حَوت هذه العبارة أصول التوحيد
ومقاصده، وقد بَيَّنَ ذلكَ في ما وردَ على لسانِهِ، ونزل قرآن يُتلى: ﴿إِنَّ
ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ ١٣﴾[لقمان: 13]، والظلم هو: انتقاص من حق الله في
العبودية، والطاعة، والفعل، والترك.
فالعبودية الحقَّة تقتضى
منَّا أن تكون النية خالصة لله لا لغيره، وأنَّ كل نعمةٍ مَرَدُّها إلى الله، فهو
مالكها يَهَبُهَا لِمَن يَشاءُ، ويمنَعُهَا عمَّن يشاءُ، ومن هنا يَقْتَضِي الشُكر
للهِ وحدَهُ على كُلِّ نِعْمَةٍ تَمَتَّعَ بِهَا العَبْدُ، ومن أعظم النِّعَمِ شكر
الله تعالى على النِّعم، وهذه من مقاصد الحِكمة.
وحِكمة الله في
خلقِه ظاهرةٌ في تصويره للمخلوقات ( جماداً أو حيواناً أو نباتاً أو إنساناً )،
فالسماء مرفوعة بقدر، والأرض مبسوطة بقدر، وما بينهما ليل ونهار يتعاقبان، ومن
الآيات التي بدت فيها الحِكمة أيضاً قوله تعالى: ﴿وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا
وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ ٧ أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ ٨ وَأَقِيمُواْ
ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ ﴾[الرحمن: 7-9]
والطغيان في الميزان هو الإفساد ما
بين السماء والأرض، عبر الأثير كالأقمار الصناعية، التي تبُث ما يُخالف
تعاليم الدين والقيم الإنسانية، فإنَّ ذلك يُحدِث خللاً في المناخ الذي يعيش فيه
الإنسان، ومن الطغيان في الميزان أساليب القتال المتعددة ( كالصواريخ والقنابل. .
. ) فهذا هو المعنى العميق لأنَّ صحة الإنسان تُحفظ بالحِكمة، وعقول البشرية تُحفظ
بالحِكمة، فكل أمر في هذه الحياة وضعه الله تعالى بحِكمه وقدر.
ولذلك قال المولى : ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّۧنَ رَسُولٗا
مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ
ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٢﴾[الجمعة:2].
فالكِتابُ مُنَزَّلٌ مِنْ
عندِ اللهِ، والحِكمةُ هي: حُسْنُ استقبالِ كلامِ اللهِ بالنظَرِ
والإدرَاكِ والمعرفةِ، حتى يَتَثَنَّى لِلْعَبْدِ رُؤْيَةَ الملكوتِ، وهى أي
-الحكمة- السرُّ الكامنُ في كلِّ نعمةٍ، فبها يَفْقَهُ المرء عن القرآنِ بيانهُ،
ويتعلمُ تبيانه أي -توضيحَه وتفسيرَه-.
وللحِكمةِ دورٌ كبيرٌ في دفعِ
الأعْرَاضِ والأمْرَاضِ بمختلفِ أنواعِهَا وأشكالِها، فالحِكمة لا يَسْتَغْنِى
عنْهَا عَبدٌ، فهي كالْهواءِ بالنِّسبةِ للرِّئَتَيْنِ للتنَفُّسِ، والغِذَاءِ
لكلِّ عقْلٍ للتَّأمُّلِ والنَّظرِ.
والحِكمةُ هي: سِرُّ
السعَادةِ، بل هي السعَادةُ نفسُها، يحْتاجُها الزَّوْجَانِ لِينعَمَا بحياةٍ
سَعِيدَةٍ، ويَحْتَاجُها المَرِيضُ لتَحْصيلِ الشِّفاءِ، ويحتاجُها الطَّبِيبُ
لِتشخِيصِ المَرَضِ، ويَحتَاجُها المهندِسُ في تَخطيطِهِ لأيِّ مشروعٍ. . . أَيْ
يحتَاجُها جَمِيعُ فِئَاتِ البَشَرِ.