التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأمر النبوي لأبي الحسن الأشعري بنصرة مذهب أهل السنة والجماعة


الأمر النبوي لأبي الحسن الأشعري
 بنصرة مذهب أهل السنة والجماعة
إن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لم ينقطع عن محبيه في كل عصر من العصور، فهو السَّراج المنير الذي أذن الله تعالى أن ينير طريق الحائرين، ويهتدي بنوره من ضل عن طريق الصراط المستقيم، ولذلك أشار لأمته على تلك الحقيقة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ0 قَالَ: (تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).([1])
ولقد مر أبو الحسن الأشعري مر بمعارك فكرية وعقدية أحدثت في عقله وقلبه هزات شديدة، جعلته في حيرة كبيرة، وكانت نفسه التواقة لمعرفة الحق تجعله يقضي وقته في الفكر والتأمل،  وهو من هو في هذا الوقت من النبوغ التام في مذهب المعتزلة العقلاني، لكن هذا المذهب لم يفي بحاجته التي يصبو إليها كباحث على الحقيقة، فبدأت الأسئلة التي لا يجد لها جوابا تطرح نفسها على عقله فيرجع لأساتذته فلا يجد جوابا يكبح عقله وفكره ويجأر إلى الله تعالى بالدعاء أن يهديه إلى الطريق الأقوم، والصراط المستقيم، فيروي لنا الحافظ ابن عساكر -رحمه الله تعالى- هذه المعارك التي دارت في نفس أبي الحسن الأشعري -رحمه الله تعالي- فيروي بسنده عن  أحمد بن الحسين المتكلم قال سمعت بعض أصحابنا يقول إن الشيخ أبا الحسن -رحمه الله- لما تبحر في كلام الاعتزال، وبلغ غاية كان يورد الأسئلة على أستاذيه في الدرس ولا يجد فيها جوابا شافيا، فتحير في ذلك فحكى عنه أنه قال:
 وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد، فقمت وصليت ركعتين، وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم، ونمت فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في المنام فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عليك بسنتي، فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهريا.([2])
بشري سيدنا رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ لأبي الحسن الأشعري بالمدد الإلهي:
ويروي الحافظ ابن عساكر -رحمه الله تعالى- بسنده عن الإمام أبا عبد الله الحسين بن محمد يقول: سمعت غير واحد من أئمتنا يحكي كيف كان بدء رجوع الإمام المبرأ من الزِّيغ والتِّضليل أبي الحسن علي بن إسماعيل أنَّه قال: بينا أنا نائم في العشر الأول من شهر رمضان رأيت المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال يا علي انصر المذاهب المروية عني فإنَّها الحقّ.
 فلمَّا استيقظت دخل عليَّ أمر عظيم، ولم أزل مفكرًا مهمومًا لرؤياي ولما أنا عليه من إيضاح الأدلة في خلاف ذلك، حتى كان العشر الأوسط فرأيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في المنام فقال لي: ما فعلت فيما أمرتك به؟ فقلت: يا رسول الله وما عسى أن أفعل وقد خرجت للمذاهب المروية عنك وجوها يحتملها الكلام واتبعت الأدلة الصحيحة التي يجوز إطلاقها على الباري -عز وجل-؟ فقال لي:
 انصر المذاهب المروية عني فإنها الحق. فاستيقظت وأنا شديد الأسف والحزن، فأجمعت على ترك الكلام، واتبعت الحديث وتلاوة القرآن.
 فلما كانت ليلة سبع وعشرين، وفي عادتنا بالبصرة أن يجتمع القراء وأهل العلم والفضل فيختمون القرآن في تلك الليلة، مكثت فيهم على ما جرت عادتنا، فأخذني من النعاس ما لم أتمالك معه أن قمت، فلما وصلت إلى البيت نمت، وبي من الأسف على ما فاتني من ختم تلك الليلة أمر عظيم فرأيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال لي:
 ما صنعت فيما أمرتك به؟ فقلت: قد تركت الكلام ولزمت كتاب الله وسنتك.
 فقال لي:
أنا أمرتك بترك الكلام إنما أمرتك بنصرة المذاهب المروية عني فإنها الحق. فقلت: يا رسول الله كيف أدع مذهبا تصورت مسائله وعرفت أدلته منذ ثلاثين سنة لرؤية؟ فقال لي: لولا أني أعلم أن الله تعالى يمدك بمدد من عنده لما قمت عنك حتى أبين لك وجوهها، وكأنك تعد إتياني إليك هذا رؤيا أو رؤياي جبريل كانت رؤيا؟ إنك لا تراني في هذا المعني بعدها فجد فيه فإن الله سيمدك بمدد من عنده.
 قال: فاستيقظت وقلت: ما بعد الحق إلا الضلال، وأخذت في نصرة الأحاديث في الرؤية، والشفاعة، والنظر ، وغير ذلك.
 فكان يأتيني شيء والله ما سمعته من خصم قط، ولا رأيته في كتاب فعلمت أن ذلك من مدد الله تعالى الذي بشرني به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.





([1]) أخرجه البخاري في صحيحه (1/33) باب (إثم من كذب على النبي (صلى الله عليه وسلم)/ رقم (110) الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي) الطبعة: الأولى، 1422هـ


([2]) تبيين كذب المفتري للحافظ ابن عساكر ( ص 39) الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت / الطبعة: الثالثة، 1404 هـ


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السند المبارك في الطريقة القاوقجية الشاذلية

السند المبارك في الطريقة القاوقجية الشاذلية المقدمة ِبسْمِ الله الرَّحْمن الرَّحيم الحمد لله الذي أفاض على أولياءه بصنوف المعارف اللدنية، والرقائق والحكم الإلهامية، وتوجهم بتاج الكرامة والفيوضات العرفانية، ونور بواطنهم بالأنوار الإحسانية واصطفاهم  وخصهم لحضرته العلية. والصلاة والسلام على حقيقة الحقائق الربانية، وسر أسرار المقامات الاصطفائية، النور الذي أضاء العوالم العلوية والسفلية، الرحمة الشاملة لجميع العوالم الوجودية. وعلى آله سرج الهداية، وأقمار الولاية، ونجوم الأمان لأهل الأرض. وعلى أصحابه الذين تتزين بسيرتهم المجالس، وتتعطر بذكرهم المحافل، أساطين العلوم، وأرباب الفهوم. وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. أما بعد: يقول العبدُ الفقير الذليل، الرَّاجي عفو ربه الجليل، أبو صُهيب فتحي بن سَعيد بن عُمر بن أحمد بن خليل، الحُجَيري نسبًا، المالكي مذهبًا، الأشعري عقيدةً، القاوقجي الشَّاذِلي طريقة لقد شرفني الله "سبحانه وتعالى" وسلكت طريق السَّادة الصَّوفية القَاوقْجِيَّة الشَّاذِليِّة، سنة اثنتا عشر وأربعمائة وألف من الهجرة النبَّوية، وكان عمري آن ذاك ما يقرب من ال...

نبذة عن حياة الشريف، إسماعيل النقشبندى -رضى الله عنه-

نبذة عن حياة الشريف،   إسماعيل النقشبندى -رضى الله عنه- هو الحسيب النسيب، سليل بيت النبوة والفتوة، مولانا الإمام الشريف إسماعيل بن تقاديم بن رحمة، بن الأمير أحمد أبو سليمان، بن الأمير سعيد، بن الأمير سعد، بن الأمير زيد الحسني، وأمه هى الشريفة رية بنت الإمام محمد أبو بكر الميرغني، وشقيقة كل من القطب الكبير سيدى محمد عثمان الميرغنى، وسيدى الإمام عبد الله الميرغني، مفتى مكة والشريفة مريم أم  القطب العظيم سيدى محمد بن ناصر الإدريسى المشيشى المغربى. ولد شيخنا -قدس الله سره- فى الحادى عشر من شوال سنة ١٢١٦هـــ من هجرة النبى -صلى الله عليه وسلم-، فى قرية الدنيق بمديرية بحر الغزال بجنوب السودان، حيث هاجر جده اليها من مكة لظروف سياسية أجبرته على ذلك. حفظ الشيخ القرآن الكريم مبكرا، ثم ألحقه جده الشريف (رحمة ) بمحضرة سيدى المختار الكنتى بصحراء أزواد من بلاد شنقيط، ومكث بها عشر سنين تضلع فيها من العلوم العربية والشرعية على سيدى المختار الكنتى الشنقيطى، ثم على ولده وخليفته سيدى محمد المختار، وفى عام ١٢٣٥هــ التحق -رضى الله عنه- بالأزهر الشريف وأخذ عن علمائه الأجلاء ، وعاد...

العَارفِ بالله السَّيد محمَّد بن عبد الرحيم النُشَّابي الحسني

                                 العَارفِ بالله السَّيد محمَّد بن عبد الرحيم النُشَّابي الحسني هو العالم العلامة، والحبر الفهامة، مرشد السالكين، ومربي المريدين، سيدي محمد بن عبد الرحيم النشابي الحسني الشافعي الشاذلي الأحمدي الطنتدائي.  شريف حسني من جهة أبيه وحسيني من جهة أمه. وهو: محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوارث بن خليل بن علاء الدين بن إبراهيم بن جمال الدين بن محمد بن الأخضر بن داود بن أحمد بن محمد بن حسن بن محمد بن عبد الله أبي نشابة (سيدي عبد الله أبي نشابة ضريحه بالضهرية من قرى محافظة البحيرة وإليه تنسب الأسرة, وكان من أصحاب القطب الدسوقي) بن مرعي بن أحمد القناوي بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن يونس بن سلامة أبي الأنوار عن ترك بن سلامة الأواب بن إبراهيم بن علي بن محمد بن داود بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي ابن أبي طالب زوج فاطمة الزهراء بنت سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. ولد عام 1261هـ (1845م) وكان من أكبر علماء الأزهر وأ...