إن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لم ينقطع
عن محبيه في كل عصر من العصور، فهو السَّراج المنير الذي أذن الله تعالى أن ينير
طريق الحائرين، ويهتدي بنوره من ضل عن طريق الصراط المستقيم، ولذلك أشار لأمته على
تلك الحقيقة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ0 قَالَ: (تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ
فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ
عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).([1])
ولقد مر أبو الحسن الأشعري مر بمعارك فكرية وعقدية أحدثت في عقله وقلبه هزات
شديدة، جعلته في حيرة كبيرة، وكانت نفسه التواقة لمعرفة الحق تجعله يقضي وقته في
الفكر والتأمل، وهو من هو في هذا الوقت من
النبوغ التام في مذهب المعتزلة العقلاني، لكن هذا المذهب لم يفي بحاجته التي يصبو
إليها كباحث على الحقيقة، فبدأت الأسئلة التي لا يجد لها جوابا تطرح نفسها على
عقله فيرجع لأساتذته فلا يجد جوابا يكبح عقله وفكره ويجأر إلى الله تعالى بالدعاء
أن يهديه إلى الطريق الأقوم، والصراط المستقيم، فيروي لنا الحافظ ابن عساكر -رحمه
الله تعالى- هذه المعارك التي دارت في نفس أبي الحسن الأشعري -رحمه الله تعالي- فيروي بسنده عن أحمد بن الحسين المتكلم قال سمعت بعض أصحابنا يقول إن الشيخ أبا الحسن -رحمه
الله- لما تبحر في كلام الاعتزال، وبلغ غاية كان يورد الأسئلة على أستاذيه في الدرس
ولا يجد فيها جوابا شافيا، فتحير في ذلك فحكى عنه أنه قال:
وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد، فقمت وصليت ركعتين، وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم، ونمت فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في المنام فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عليك بسنتي، فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهريا.([2])
وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد، فقمت وصليت ركعتين، وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم، ونمت فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في المنام فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عليك بسنتي، فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهريا.([2])
بشري
سيدنا رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ لأبي الحسن الأشعري
بالمدد الإلهي:
ويروي
الحافظ ابن عساكر -رحمه الله تعالى- بسنده عن الإمام أبا عبد
الله الحسين بن محمد يقول: سمعت غير واحد من أئمتنا يحكي كيف كان بدء رجوع الإمام المبرأ
من الزِّيغ والتِّضليل أبي الحسن علي بن إسماعيل أنَّه قال: بينا أنا نائم في العشر
الأول من شهر رمضان رأيت المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال يا علي انصر المذاهب
المروية عني فإنَّها الحقّ.
فلمَّا استيقظت دخل
عليَّ أمر عظيم، ولم أزل مفكرًا مهمومًا لرؤياي ولما أنا عليه من إيضاح الأدلة في خلاف
ذلك، حتى كان العشر الأوسط فرأيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في المنام فقال لي:
ما فعلت فيما أمرتك به؟ فقلت: يا رسول الله وما عسى أن أفعل وقد خرجت للمذاهب المروية
عنك وجوها يحتملها الكلام واتبعت الأدلة الصحيحة التي يجوز إطلاقها على الباري -عز
وجل-؟ فقال لي:
انصر المذاهب المروية عني فإنها الحق. فاستيقظت وأنا شديد الأسف والحزن، فأجمعت على ترك الكلام، واتبعت الحديث وتلاوة القرآن.
انصر المذاهب المروية عني فإنها الحق. فاستيقظت وأنا شديد الأسف والحزن، فأجمعت على ترك الكلام، واتبعت الحديث وتلاوة القرآن.
فلما كانت ليلة سبع
وعشرين، وفي عادتنا بالبصرة أن يجتمع القراء وأهل العلم والفضل فيختمون القرآن في تلك
الليلة، مكثت فيهم على ما جرت عادتنا، فأخذني من النعاس ما لم أتمالك معه أن قمت، فلما
وصلت إلى البيت نمت، وبي من الأسف على ما فاتني من ختم تلك الليلة أمر عظيم فرأيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال لي:
ما صنعت فيما أمرتك به؟ فقلت: قد تركت الكلام ولزمت كتاب الله وسنتك.
ما صنعت فيما أمرتك به؟ فقلت: قد تركت الكلام ولزمت كتاب الله وسنتك.
فقال لي:
أنا أمرتك بترك الكلام إنما أمرتك بنصرة المذاهب المروية عني فإنها الحق. فقلت: يا رسول الله كيف أدع مذهبا تصورت مسائله وعرفت أدلته منذ ثلاثين سنة لرؤية؟ فقال لي: لولا أني أعلم أن الله تعالى يمدك بمدد من عنده لما قمت عنك حتى أبين لك وجوهها، وكأنك تعد إتياني إليك هذا رؤيا أو رؤياي جبريل كانت رؤيا؟ إنك لا تراني في هذا المعني بعدها فجد فيه فإن الله سيمدك بمدد من عنده.
أنا أمرتك بترك الكلام إنما أمرتك بنصرة المذاهب المروية عني فإنها الحق. فقلت: يا رسول الله كيف أدع مذهبا تصورت مسائله وعرفت أدلته منذ ثلاثين سنة لرؤية؟ فقال لي: لولا أني أعلم أن الله تعالى يمدك بمدد من عنده لما قمت عنك حتى أبين لك وجوهها، وكأنك تعد إتياني إليك هذا رؤيا أو رؤياي جبريل كانت رؤيا؟ إنك لا تراني في هذا المعني بعدها فجد فيه فإن الله سيمدك بمدد من عنده.
قال: فاستيقظت وقلت:
ما بعد الحق إلا الضلال، وأخذت في نصرة الأحاديث في الرؤية، والشفاعة، والنظر ، وغير
ذلك.
فكان يأتيني شيء
والله ما سمعته من خصم قط، ولا رأيته في كتاب فعلمت أن ذلك من مدد الله تعالى الذي
بشرني به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.