الْعِلْم الضَّرُورِيّ وَالْعِلْم النَّظِرَيِّ
قَلّنَا سَابِقا أنّ حَقَائِق الْأَشْيَاء ثَابتة، وَالْعِلْم بِهَا وَالْعِلْم الَّذِي يَتَّصِف بِهِ الْإِنْسَان هُوَ عَلِم مَخْلُوق، أَيُّ حَادِث يَخْلُقهُ اللَّه -سُبْحَانهُ وَتُعَالَى- فِي الْإِنْسَان.
وَالْعِلْم الْمَخْلُوق نَوْعَانِ:
عُلِم ضَرُورِيّ:
وَهُوَ الْعَلْم بِدُونَ نَظَر، وَاِسْتِدْلَاَل، وَتَفْكِير، وَمُعَنى كَوْنهِ ضَرُورِيّ أَي:ّ أنّ الْإِنْسَان يَجِد نَفْسهُ مُضْطَرّا إِلَى ذَلِكَ الْعَلْم، بِحَيْثُ لَوْ حَاوَل أَنْ يَدْفَعهُ عَنْ نَفْسهُ فَلَنْ يَسْتَطِيع.
وَمَثَّال الْعِلْم الضَّرُورِيّ:
علْمنَا بِأَنَّ الْوَاحِد نَصِف الاثنين، فَهِي مَسْأَلَة بَديهِيَّة لَا تَحْتَاج إِلَى نَظَر، وَلَا إِلَى اِسْتِدْلَاَل، وَلَا إِلَى تَفْكِير، وَإِذَا مَا حَاوَلْنَا أَنْ نقْع أَنَفْسنَا بِغَيْر ذَلِكَ فَلَنْ نَسْتَطِيع فَهِي مِنْ الْعِلْم الضَّرُورِيّ الَّذِي نَجِد أَنَفْسنَا مُضْطَرِّينَ إِلَيهُ بِحَيْثُ لَوْ حَاوَلْنَا أَنْ نَدْفَعهُ عَنْ أَنَفْسنَا فَلَنْ نَسْتَطِيع.
عُلِم نَظِرَيٌّ:
وَهُوَ الْعلْم عَنْ النَّظَر وَالْاِسْتِدْلَاَل وَالتَّفْكِير، وَقَدْ عَرَفْنَاهُ فِي الْمَقَالَة السَّابِقَة وَفرقنَا بَيْنهُ وَبَيْنَ الظَّنّ، وَالشَّكّ، وَالْوَهْم، وَالْجَهْل الْبَسيط، وَالْجَهْل الْمُرَكَّب، وَالتَّقْليد.
وَمَثَّال الْعلْم النَّظِرَيِّ:
علْمنَا بِأَنّهُ إِذَا جمْعنَا 432 على 716 وكررنا المجموع 14 مرة سيكون الناتج 16072.
فَهَذَا الْعَلْم يَحْتَاج إِلَى جمْع ثُمَّ ضرب، أَيّ: يَحْتَاج إِلَى نَظَر، وَاِسْتِدْلَاَل، وَتَفْكِير، للحصول عَلَى الْعلْم الْمَطْلُوب، وَسَوَاء كَان الْعِلْم الَّذِي نَتَّصِف بِهِ عِلْمَا ضَرُورِيَّا ،أَمْ نَظَريا، فحصوله فِينَا يَكْوُنّ بِخَلْق اللَّه -سُبْحَانهُ وَتعَالى-َ فِينَا.
فَالْعِلْم الضَّرُورِيّ يَخْلُقهُ اللَّه -سُبْحَانهُ وَتُعَالَى- فِينَا بِغَيْر نَظَر وَلَا اِسْتِدْلَاَل وَالْعَلْم النَّظِرَيُّ يَخْلُقهُ اللَّه -سُبْحَانهُ وَتُعَالَى- فِينَا عَقِيب النَّظَر وَالْاِسْتِدْلَاَل عَلَى سَبِيل الْعَادَة.
أَمَّا عِلْم اللَّه -سُبْحَانهُ وَتعَالَى- فَهُوَ صِفَة قَدِيمَة، لَيْسَتْ مَخْلُوقَة يَتَّصِف بِهَا اللَّه -سُبْحَانهُ وَتعَالَى-.
وَلَا يُقَال عَنْ عِلْم اللَّه -سُبْحَانهُ وَتعَالَى- أَنّهُ ضَرُورِيّ وَلَا نَظِرَيٌّ.
فَالتَّقْسِيم السَّابِق يَخْتَصّ بِالْعِلْم الْمَخْلُوق فَقَطْ الَّذِي هُوَ عَلِمنَا نَحْنُ.