مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
علوم
أهل السنة والجماعة من عقيدة وفقه وتصوف وغيرها قد خدمت وحققت عن طريق آلاف
العلماء عبر مئات السنين، ووضعوا لهذه العلوم منهجا علميا متكاملا، بحيث أن من
تعلم هذا المنهج العلمي استطاع فهم مسائل الدين فهما سليما منضبطا، وصار عنده من
الملكة والفهم والفكر السليم ما يؤهله للاجتهاد واستنباط الأحكام في النوازل
والمسائل الجديدة في علوم الدين والدنيا.
وللأسف
الشديد ظهرت في السنوات الأخيرة موضات تركت علوم أهل السنة والجماعة، وسعى أصحابها
إلى اختراع منهج جديد، ومن هذه الموضات الوهابية، كما ظهرت موضات جديدة تتجه نحو
التشيع أو التفلسف أو الاعتزال أو غيرها، ومنها ما ادعى لنفسه أنه الأولى بمذهب
أهل السنة، ومنها ما ادعى انحراف أهل السنة عبر القرون.
والحقيقة
أن بناء منهج جديد لهو مسلك غير صحيح، فأنى لأصحاب هذا المنهج الجديد بناء هذا
المنهج في غضون سنوات قليلة، وإذا قورن بمنهج قد خدم على مدى قرون طويلة فلن يكون
هناك وجه للمقارنة أصلا.
والحقيقة
أيضا أننا لسنا بحاجة لمنهج جديد، وإنما نحتاج بشدة للعناية بمنهج أهل السنة
المتكامل المتماسك المخدوم الذي سار عليه جماعة العلماء عبر القرون انتصارا لسنة
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهو مذهب أهل السنة والجماعة.
والمتأمل
في هذه المحاولات سيرى بكل وضوح الفرق الشاسع بين المنهج المنضبط وبين العشوائية
الفكرية.
فنسأل
الله سبحانه وتعالى أن يوفق الأجيال الحالية والقادمة للعناية بتعلم هذا المنهج،
منهج أهل السنة والجماعة، اللهم آمين.
دراسة
علم العقيدة نوعان:
1- دراسة إجمالية.
2- دراسة تفصيلية.
أما
الدراسة الإجمالية معناها: معرفة رؤوس المواضيع دون الدخول في التفاصيل الدقيقة،
وهذه في استطاعة الجميع بإذن الله.
وأما
الدراسة التفصيلية فهي: لطلبة العلم والعلماء، وهي مثلها مثل كل الدراسات التخصصية
لا يقوم بها إلا من تخصص فيها لمعرفة تفاصيلها ودقائقها.
فدراسة
هذا العلم تكون بحسب استطاعة كل إنسان.
والحقيقة
أنني أقول للشباب تحديدا، أنتم تدرسون علوما دقيقة جدا، بل في غاية الدقة وتحتاج
إلى فهم ونظر واستدلال وتفكير، مثل الهندسة والطب وغيرها من العلوم، فبالنسبة لكم،
لا يصح أن يقال أن دراسة علم العقيدة دراسة صعبة، لأنكم تدرسون ما هو أصعب منها.
ولذلك
فلابد أن تهتموا بدراسة علم العقيدة على مذهب أهل السنة والجماعة الأشاعرة. وهو
أيضا يسمى باسم علم أصول الدين، وعلم التوحيد، وعلم الكلام.
وهنا
قد يأتي شخص ويقول:
حسنا سأبحث على الإنترنت عن كتب في علم العقيدة على مذهب أهل السنة والجماعة وأتعلم منها العقيدة.
حسنا سأبحث على الإنترنت عن كتب في علم العقيدة على مذهب أهل السنة والجماعة وأتعلم منها العقيدة.
فأقول
له: معظم ما هو على الإنترنت في العقيدة تحت مسمى أهل السنة والجماعة، هو في حقيقة
الأمر عقيدة الوهابية، وهي ليست عقيدة أهل السنة والجماعة ولا تمت لها بصلة، وإنما
هي مجرد حشو وكلام غير علمي بالمرة وليس له علاقة من قريب أو من بعيد بعلم العقيدة
الحقيقي.
أما
الدراسة الحقيقة لعقيدة أهل السنة والجماعة فموجودة في جامعات أهل السنة والجماعة
حول العالم ومنها الأزهر الشريف، وهي العقيدة الأشعرية، ولها مئات المؤلفات
والمراجع التي تتراوح في المستوى بين مستوى المبتديء والمتوسط والمنتهي.
والله
هو الهادي إلى سواء السبيل.
فلا
يكفي في زماننا هذا تبيين المنهج السليم فقط، بل لابد من تبيين المنهج الخاطئ أيضا
والمقارنة بينهما.
تبيين
المنهج السليم فقط، قد يصلح لمن كان خالي الذهن من أي أفكار، ولكننا للأسف الشديد
نعيش في زمان قد امتلأت فيه الأذهان بأفكار خاطئة كثيرة.
والفكرة الخاطئة تشوش دائما على الفكرة السليمة، بل قد يستمع إنسان إلى فكرة سليمة فتثبت ما عنده من فكرة خاطئة، وذلك لأنَّ الذي ذكرها له لم يذكر معها الفكرة الخاطئة أيضا ولم يقارن بينهما.
والفكرة الخاطئة تشوش دائما على الفكرة السليمة، بل قد يستمع إنسان إلى فكرة سليمة فتثبت ما عنده من فكرة خاطئة، وذلك لأنَّ الذي ذكرها له لم يذكر معها الفكرة الخاطئة أيضا ولم يقارن بينهما.
وسيدنا
حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: "كان الناس يسألون الرسول -صلى الله عليه
وآله وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني."
أي
كنت أسأله عن الخير والشر معا حتى أفعل الخير وأتجنب الشر.
والأفكار
كذلك، فعند عرضها مجردة عن ما يقابلها من أفكار خاطئة، فقد تكون سببا في تثبيت
أفكار خاطئة، ولذلك فلابد من تبيين هذا وذاك، وخصوصا في زمننا هذا.
ولابد
أن يكون التبيين للأفكار الخاطئة واضحا وضوح الشمس، حتى لا تلتبس في ذهن من
يعتنقها فيظن أنه يعتنق فكرة صحيحة، فلابد من أن تصل له المعلومة واضحة تمام
الوضوح أن تلك الفكرة خاطئة، والصواب هو كذا، دون تجريح في أشخاص، وإنما بذكر
الأفكار فقط لا غير.
وينبغي
لمن يستمع للنصيحة، أن يستمع إليها بلا تعصب ولا تكبر، فالحق هو المقصود وهو
المطلوب وهو المراد وهو الكنز النفيس الغالي وهو المحبوب لذاته ومن ظفر به فقد ظفر
بالخير كله، والشكر كل الشكر لحامله ومبينه وموضحه.
وسلام
على المرسلين والحمد لله رب العالمين.