بيان معنى الشَّريعة والطَّريقة
والحقيقة
(1) بيان معنى الشَّريعة
الشَّريعة : -
ما شَرّعُه الله على لسان أنبيائه ورسله، وختم بهم سيد الأنبياء، وسيد المرسلين
سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ
عَلَىٰ شَرِيعَة مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ
لَا يَعۡلَمُونَ ١٨﴾[الجاثية:18]، وقال تعالى: ﴿۞شَرَعَ لَكُم
مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ
وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ
وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ
يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ
١٣﴾[الشورى:13].
والشَّريعة لها حدود لا يتَجاوزها
أحدٌ، لأحَكامِها الصَحيحة الصَريحة، والواضحة في
كتابه، وهو أمر واجب الاتِباع، ومن لم يتّبعها أَثِم، ومن أحدثَ في
الشَّريعة ما ليس فيها (فأمرهُ إليه رَدٌ )،([1])
والشَّريعة مُتمَثلة مِثالٌ رائق
وفائق ومعصوم في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- من خالفها فهو مبتدع، ومن بدل
فيها بدل نعمة الله كُفراً، وأَحلَّ قومهُ دار البوار، قال الله تعالى: ﴿۞أَلَمۡ تَرَ
إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ ٨﴾
[إبراهيم:28]
فالثوابت في الشَّريعة أمر مفروغ عنه
من الحوار والكلام فيه، وهي ما كانت فيها
النصوص قَطْعية الدلالة والثبوت، سواء كان النص من القرآن الكريم، أو من السنن الصحيحة
فنحن مأمورون باتباع الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم-:﴿مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ
عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ
كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ
ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ
شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٧﴾[الحشر:7].
فهذه الآية ليس بخصوص السَّبب (وهى
الغنائم) ولكن بعموم اللفظ، فكل ما سَنَّه الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم- وداوم
عليه لا يحتمل التفريط فيه، وما ورد من الأحاديث الضعيفة ليس الحرج في روايتها أو
درايتها وليست مرفوضة، ولكن مَقبولة في فضَائلْ الأعَمال، لأنَّ أصل الدين الدعوة
إلى الفضَائل وهذا يُقويها([2]).
والصَالحونْ
أخَذوا الشَّريعة بآدابها وعملاً بالحكمة:
من ألَزمْ نَفسهُ آدابْ الشَّريعة
نَورَ الله قُلبه بنور المَعَرفة ([3])
وليس الصالحون أرباب دعاية، ولا
ادعاء للولاية، لأنَّهم نَظروا إلى أنفُسهم وحَصَّنوها بالشَّريعة، قال
الأمام أبو الحسن الشَّاذلي –رضي الله عنه-: [إذا عارض كشفك الصحيح الكتاب والسنة فاعمل بالكتاب
والسنة ودع الكشف وقل لنفسك: إن الله -تعالى- ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم
يضمنها لي في جانب الكشف والإلهام]
فَيَضلهُ عن سَبيل الله إما
إفراطاً أو تفريطاً، وذلك مَمقوتٌ في الدين، وأتى القبَيح وترَكَ المَليح، فلا
يُقتَدى به ولا يُقبلُ منهُ، لأنه ليسَ أميناً على شَرعٍ الله، ومن المؤسف أن هناك
من وُسٍّدَ لهذا الأمر وهو على غير عِلمٍ بفقه الآيات، فيُحرَمُ من بلوغ الآيات.
عفانا الله من ضلالٍ بعَد هُدى.
([1]) عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا-، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:
«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» أخرجه
البخاري في صحيحه، كتاب (الصلح) باب (إِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ
فَالصُّلْحُ مَرْدُودٌ)، حديث رقم: (2697)، (ج3/ ص184) المحقق: محمد زهير بن ناصر
الناصر، الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد
عبد الباقي)
([2]) قال شيخ الإسلام الإمام النووي t :
[وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال]. انظر:
الأربعون النووية (ص: 42)، عُنِيَ بِهِ: قصي محمد نورس الحلاق، أنور بن أبي بكر
الشيخي، الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع، لبنان – بيروت، الطبعة:
الأولى، 1430 هـ - 2009 م.
وقال أيضا :
[قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل
والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً، وأما الأحكام، كالحلال
والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك؛ فلا يُعْمَل فيها إلا بالحديث الصحيح أو
الحسن إلا أن يكون في احتياطٍ في شيء من ذلك، كما إذا وردَ حديثٌ ضعيفٌ بكراهة بعض
البيوع أو الأنكحة، فإن المستحبَّ أن يتنزّه عنه، ولكن لا يجب]. انظر: (الأذكار
للنووي) (ص36)، الناشر: الجفان والجابي - دار ابن حزم للطباعة والنشر، الطبعة:
الطبعة الأولى 1425هـ- 2004م، عدد الأجزاء: 1
